تكاد الإصابة بنزلة برد أن تكون طقسا شتويا سنويا، فلا يمر شتاء دون أن يصاب المرء بها، فإذا أصيب امرؤ بهذا الداء اللحوح تناول -على حسب شدة حالته- علاجات شتى حتى يُعافى، لكن هناك من إذا ما دهمته أعراض نزلة برد وراح يتطبب، فهي تقريبا لا تفارقه ولا تنفك عنه حتى يبارح الشتاء، وأفضل نتيجة يمكن أن يصل إليها هي أن تخف أعراضها عنه بعض الشيء حينا وتشتد أحيانا في دورات متعاقبة متوالية، فيقضي الموسم يستنزفه المرض، وربما امتد المدى الزمني له حتى يأخذ أياما أو أسابيع من الخريف وأقل أو أكثر من ذلك لاحقا في بدايات الربيع.هذه الحالة في تطاولها وثقلها ومراوحتها ومعاودتها أشبه ما تكون بوصف امرؤ القيس - فحل فحول شعراء الجاهلية - لليل كئيب مؤرِق مسهود، حاول الشاعر الناشئ في بيئة صحراوية أن يصوره كالجمل عندما يتقدم ثم يتأخر ثم يجثم فلا ينهض بثقله، فأنشأ ناظما أبيات لا يفتأ الجميع يذكرها جاءت ضمن معلقته الخالدة ومنها: وَليلٍ كمَوْجِ البَحرِ أرْخَى سُدولَهُ عليّ بأنْواعِ الهُمومِ ليَبْتَلي فَقُلْتُ لَهُ لما تَمَطّى بصُلْبِه وَأرْدَفَ أعْجازاً وَناءَ بَكْلكَل ألا أيّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلي بصُبْحٍ وما الإصْباحُ مِنك بأمثَل ترى ما السبب في عناد نزلات البرد؟ ما بالها إذا ما جثمت على الصدور لا ترفع حتى تنهك مريضها؟ فيصبح الشتاء فصلا كئيبا مكروها لديهم، وتجد الواحد يعتريه الضيق إذا ما لاحت أمارته.الأطباء يقولون إن أعراض البرد يمكنها أن ترحل في غضون يومين لا أكثر، بل إن ما يقرب من ثلاثة أرباع المصابين بها يستشعرون العافية منها فيما لا يزيد عن أسبوع، وبالنسبة للأصحاء الأسوياء قد يندر أن تمتد النزلة لأكثر من أسبوعين.أما بالنسبة لمن تُلصق بهم نزلات البرد طوال الشتاء تقريبا فهؤلاء إن فعلوا بعض الأمور وامتنعوا عن بعض آخر فإنهم -بإذن الله- لن يكونوا منزلا دائما تستوطنه نزلات البرد، لكنهم -شأن الباقين- سيصيرون مجرد محل تحل فيه النزلة وما إن تلبث حتى تبارحه، وربما وقعوا في هوى ومزايا فصل الشتاء وفضائله، إذ قد لا تصيبهم فيه أصلا.المهم أن إحساسهم بنزلة البرد سيطول حسب أشياء محددة فعلوها أم لم يفعلوها، وهناك ستة أسباب محتملة لتحديد ذلك: عدم الراحة النوم والرقاد يلعبان دورا هاما للغاية بالنسبة لأنظمتنا المناعية، وفي الحقيقة هناك دراسة نشرت نتائجها في مطلع العام الجاري كشفت عن أن الذين ينامون أقل من سبع ساعات في الليل كانت فرصة التقاطهم لنزلة البرد ثلاثة أضعاف الذين ينامون ثماني ساعات فأكثر.فإذا ما أصيب المرء بها فإنه لا يبل منها إذا لم ينل القسط الكافي من الراحة والخلود إليها.. قد تصاب بنزلة برد لكنها ستطول إذا واصلت الكد والدأب ولم ترتح لتعطي جسمك الفرصة ليتعافى.معظم الناس -وهذا خطأ شائع يدعو نفسه إذا ما أصيب بنزلة برد أنه مصاب بوعكة، ويتحدث عنها على سبيل التهوين، وكذلك ينظر له الباقون، بينما الواقع أن النزلة مرض يستوجب العلاج والتطبب منه على النحو الصحيح، وأنجع علاج لنزلة البرد هو المكث بالمنزل والخلود للراحة. قلة السوائل السوائل تلعب أيضا دورا هاما في الاستشفاء، فإذا لم تتعاف بسرعة واستطالت عليك نزلة البرد فانظر إلى كمية السوائل التي تتعاطاها، واشرب مياها أكثر وعصائر أكثر وسوائل ساخنة أكثر.قلة السوائل سوف تزيد لديك الشعور بالضيق من المرض وربما بالجفاف، وهذا لأنك تحتاج لكمية ماء أكثر وأنت مريض، فالجسم يحتاج للمزيد منها لتعويض ما يفقده إذ إنه يُفقد الكثير من الماء بطرق عدة عندما يمرض المرء، والنقص في السوائل داخل أنظمة وأجهزة الجسم المختلفة يسهم في إطالة أعراض المرض. إذن فشرب الماء بكثرة عندما تمرض، سيما بنزلة برد، سوف يعين على مبارحة الاحتقان من مكامنه، لأن المخاط اللابد بالأنف والبلغم المتراكم في الصدر سيصبحان أكثر ليونة وبالتالي يصبح التخلص منهما أيسر. قد يقول البعض إن شعوره بالضيق من الاحتقان الذي تسبب فيه المخاط والبلغم المتجمعان بالأنف والصدر يزداد إذا ما تناول كمية كبيرة من الماء، لذا فهو يفضل تناول الأدوية التي تجففهما، والحقيقة أن هذا صحيح جزئيا في البداية لأن السوائل تزيد سيولة المخاط والبلغم، ويزداد حجمهما، ومن ثم ينتج ضغط أكبر داخل الأنف والصدر ويزيد الاحتقان، لكنهما ما يلبثان أن يخرجا من الأنف والصدر بعد ذلك ويشعر المرء براحة كبيرة.لكن الأدوية التي تجففهما تبقيهما مكانهما وتبقي المشكلة كما هي، والوضع الأول أفضل، فهو يشبه عسلا على المائدة، فإذا بللته بالماء أصبحت إزالته أيسر، أما إذا تركته يجف فإنه ما يزال باقيا والمشكلة قائمة. تناول أدوية مجففة بكثرة وهذه النقطة تعد متممة للسابقة عليها، فأي شخص يحاول النوم وأنفه يحشوه المخاط فسوف يلجأ إلى الأدوية التي تجففه، فإذا فعل باعتدال فلا بأس، أما إذا أسرف في تناول دواء يجفف المخاط فإن ذلك يعني أن حالته ستسوء ويطول مقام أعراض البرد لديه. والأطباء النطاسيين البارعين يحذرون من أن المرضى الذين يفرطون في تناول الأدوية المزيلة للاحتقان عن طريق تجفيف المخاط كل ما يفعلونه هو سحب الماء من المخاط وبالتالي يصبح أكثر لزوجة ويبقى في مكانه، ويتراكم في الجيوب الأنفية لتأخذ المشكلة منعطفا آخر أسوأ. فما تفعله الأدوية المزيلة للاحتقان هو نزع الرطوبة من المخاط فيقل حجمه ومن ثم يتسع المكان للتنفس ويشعر الواحد شعورا قريبا بالراحة لقدرة الهواء على المرور من منخره، لكنه يصعب مهمة الجسم للتخلص من هذا المخاط، ليس هذا فحسب بل سوف يعاني الجسم من أعراض أخرى، لم يكن يعاني منها من قبل.فمثلا يعني استخدام بخاخ مزيل للاحتقان بالأنف لأكثر من 3 أو 4 أيام أن تتزايد قدرة الجسم على تحمل الدواء بالمراكمة، ويغدو الدواء قليل التأثير فيه أو يعدمه، وهذا يستلزم أن يتناول جرعات أكبر إذا ما احتاجه مرة أخرى، وهكذا دواليك.. أيضا فإن تناول مزيلات الاحتقان عن طريق الفم بكثرة يسبب الارتعاش وارتفاع ضغط الدم والإمساك. بعض الناس للأسف يفرط باستمراره في تناول الأدوية المزيلة للاحتقان لنحو 10 أيام، ثم تجده يهرع للطبيب وهو يشكو من أن قياس ضربات قلبه تجاوز ال120 ضربة فضلا عن معاناتهم بالرعشة، ثم بعد ذلك يشكو من أن الدواء لم يعد يؤثر فيه بالشفاء، وأن حالته تزداد سوءا، أو أن أعراضا أخرى جديدة ظهرت عليه لم يكن يعاني منها من قبل!.. أنت الملوم يا صاح. العلاج الخطأ أعراض نزلات البرد الموسمية يمكنها أن تختلط علينا مع أعراض أمراض أخرى كالتهاب الجيوب الأنفية أو أنواع من الحساسية، فعادة ما يشخص الناس لأنفسهم الأعراض بأنها ناتجة عن نزلة برد، وأنها لا تحتاج إلا لقليل من الأدوية ولا يستلزم الأمر الذهاب لطبيب أو التداوي أكثر من يومين أو ثلاثة وربما أسبوعا، ومع ذلك تمتد الأعراض لعدة أسابيع وهو يعجب من عدم شفائه من "البرد" وأن حالته لا تتحسن، ولا يظن أنه يعالج مرضا آخر بأدوية وعلاجات خطأ. الأطباء يرون أن من الشائع جدا لدى العامة الخلط بين البرد والحساسية، ذلك لأن الأخيرة تتطابق أعراضها مع أعراض نزلة البرد أو على الأقل تتشابه معها جدا، ورغم أن تشخيص المرض صنعة الطبيب المعالج ومسئوليته فإن هناك بعض الأمور يمكنك أن تفرق بها بين الاثنين، وهذا لا يعفيك من الذهاب للطبيب عند الشعور بالأعراض. فأعراض نزلة البرد غالبا ترتفع في غضون أيام قليلة بينما أعراض الحساسية تتصاعد هونا على مدار أسابيع أو أشهر، صحيح أن هناك تشاركة في بعض أعراض كل من البرد والحساسية فكلاهما يتسبب في السعال والرشح والعطاس، ولكنهما يتمايزان في آلام العضلات والإرهاق وضعف الشهية وهي أعراض ألصق بنزلات البرد من الحساسية. واحدة من الطرق السهلة التي يمكنك بها التفرقة بين الاثنين هي تناول أي مضاد للهستامين، كالكلارتين مثلا، فإذا أحسست بتحسن مفاجئ فهذا يعني على الأرجح أنك تعاني من الحساسية لا البرد. شيء آخر وهو أن نزلات البرد تتسبب في اضطراب بالجدار المناعي الواقي للجسم، الأمر الذي يمثل بوابة تسمح بتسرب أنواع أخرى من الميكروبات وبالتالي الإصابة بعدوى ثانوية أخرى أو أكثر على هامش الإصابة الرئيسية بالبرد، ولعل أفضل شيء يدل على ذلك عندما تجد شخصا مصابا بنزلة برد يوشك أن يتعافى ويشعر بتحسن ثم ما يلبث أن يشعر فجأة بالتدهور، وهذا يعني أنه أصيب بعدوى بكتيرية.بعيدا عن التفرقة، فإن الجيوب الأنفية تعد في ذاتها أحد الأسباب التي قد تجعل أعراض البرد تمتد، حيث يتراكم المخاط فيها إما نتيجة للحساسية أو نزلات البرد السابقة.. هذه الجيوب الأنفية تعد صعبة التشخيص بعض الشيء سيما في مراحل العدوى الأولى، وإن كانت هناك بعض المؤشرات عليها مثل آلام بالوجه والصداع والحمى، فضلا عن تلون المخاط بالميل إلى الصفرة أو الخضرة، وحينئذ يصير التداوي بالمضادات الحيوية أمرا هاما. فإن استطالت عليك أعراض البرد ولم تلحظ تحسنا واستطعت أن تحيد الأسباب السابقة واللاحقة في الاستطالة ففتش عن الجيوب الأنفية. التداوي بوصفات خطأ "خذ مكيالا من كذا على نص مكيال من كذا واشرب منقوعهما على الريق ثلاثة أيام"... هذا وشبيهه ما يتناوله الناس إذا اشتكى واحد للآخر من أعراض البرد ويتواصون به، والنتيجة هي عدم الشفاء واستطالة المرض على المريض، وبدلا من أن يعاني لثلاثة أيام على الأكثر، يلازمه المرض لأسابيع. أيضا الذهاب لعشاب "جاهل" أو عطار سيرا وراء التداوي بالأعشاب وهربا من مساوئ الأدوية الكيميائية قد يكون وراء استطالة أعراض البرد، فلا يعني أبدا أن تتناول أية أعشاب أنك ستشفى نظرا لأن التطبيب يتطلب عدة أمور هامة منها التشخيص السليم ومعرفة التاريخ المرضي، ومراعاة الظروف الخاصة بالمريض كبيئته على سبيل المثال... الخ، وهي أمور لا يحسن التعامل معها سوى الأطباء المؤهلين.