حين خلق الله تعالى الغرائز في البشر، خلق في المقابل العقل الذي يتحكم بها، وجعل في طبيعته الإدراك والتمييز بين الصواب والخطأ وبين الخير والشر..لكن لنتخيل سوياً ما يحدث حين يغيب العقل وتصبح الغرائز بمختلف أنواعها القوة المحركة للإنسان في حياته والمؤثرة في جميع قراراته. النتيجة ستكون بالتأكيد فوضى عارمة. هذه الفوضى هي ما نشهده الآن في بعض الأجهزة الإعلامية على الساحة ، فبعض الصحف على سبيل المثال أصبحت تعتمد على الإثارة وانصرفت عن واجبها في تقديم الخبر بحيادية وموضوعية للمتلقي وبعض القنوات التلفزيونية اتجهت إلى الترفيه المبتذل دون أن تقدم قطرة معرفة أما بعض الإذاعات فقد سخرت نفسها لتكون حماماً زاجلاً بين المراهقين .. كل ذلك فقط لأهداف تجارية بحتة.إلى جانب ذلك ظهر على الساحة الإعلامية مجموعة من الهواة، وأطلق كل منهم على نفسه لقب "إعلامي" أو "إعلامية" رغم أنهم ليسوا على أقل تقدير من خريجي كلية الإعلام ولا يمتون له بصلة ولا يعملون في وزارة الثقافة والإعلام. ولو بحثنا قليلاً في سيرة هذا "الإعلامي" و مشواره في هذا المجال فلن نجد سوى قصاصات من الورق لتغطية او اثنتين في إحدى الصحف ومجموعة صور لا تعد ولا تحصى مع شخصيات عامة وحفلات افتتاح! وإن أقتربنا أكثر لإختبار ثقافته فلن نخرج إلا بمعلومتين أو ثلاث عن العطر الفاخر الذي يستخدمه وماركة الساعة التي يرتديها أو نوع الشماغ الذي يزين به رأسه الفارغ! أما إن أهدرنا وقتاً في تتبع مسيرة تلك "الإعلامية" فسنجد الكثير، منها أنها تنقلت كالفراشة في حقل المطبوعات ليس لأنها لم تنجح في اي منها ولكن من باب اكتساب الخبرة والتغيير، وبذلك فهي تملك حصيلة كبيرة من الأسماء ولها علاقات قوية مع زملاء المهنة الذين لن يترددوا في تقديم المساعدة لها وقت الحاجة.. ومن يجرؤ على رفض مساعدتها وهي ال"الإعلامية" الشهيرة التي يعرفها الجميع ويتردد اسمها على ألسنتهم بغض النظر عن "كيف يعرفونها" وماذا قدمت للإعلام. هذه الفئة وللأسف جعلت الشهرة لها هدفاً بعد أن كانت نتيجة، والكسب السريع هو أقصى طموحاتها، وهي على استعداد لفعل أي شيء يصوره لها خيالها المريض لتصل لأهدافها..إننا نواجه مشكلة حقيقية، والخوف الأكبر يكمن في أن تمتلىء الساحة بمثل هذه النماذج فتفقد مخرجات التعليم والأجيال القادمة القدوة التي تحتاج لأن تتكىء عليها لصقل مهاراتها ورسم بصمتها وإيصال رسالتها إلى عالمها الصغير، لذا أقول.. نريد حلاً. كاتبة ومذيعة