هل كانت سيليفيا بلاث، الشاعرة الأشهر في التاريخ الأدبي الإنساني في القرن العشرين، شاعرة جيدة؟ إنه سؤال بريطاني يطرح هذه الأيام بمناسبة عرض فيلم عنها حمل اسمها، يتناول حياتها وتفاصيل علاقتها مع زوجها الشهير تيد هيوز، شاعر البلاط البريطاني . والمعروف أن هذه العلاقة الدامية التي انتهت بانتحار سيليفا بلاث الدامي بفرن غاز وهي بعد في الحادية والثلاثين . شغلت العالم الأدبي منذ الستينيات حين انتحرت الشاعرة عام 1963 ولا تزال تشغله إلى الآن، لأن الأسئلة التي طرحتها لم تجد أجوبتها لحد الآن، خاصة مسوؤلية تيد هيوز في دفع زوجته لهذه النهاية المفجعة، أو على الأقل هذا ما تتهمه به المنظمات النسوية التي شنت على هيوز حملة ضارية أساءت إليه كثيرا في حياته ، وقادته ، ضمن أسباب أخرى ليس أقلها شعوره بالذنب الخفي، إلى عزلة طويلة انتهت بموته قبل حوالى ست سنوات . ولم يتحدث هيوز عن سيلفيا بلاث قط طوال سبع وثلاثين عاما، لكنه فاجأ العالم ، قبل رحيله بسنة واحدة، بنشر مجموعته " رسائل عيد الميلاد " المكرسة كلها لزوجته السابقة، وكانت حدثا ادبيا هز الوسط الادبي، واعاد قصتها الى الواجهة مرة أخرى " صدرت هذه المجموعة اخيرا بالعربية في ترجمة أقل ما يقال عنها أنها لا تنتمي الى تيد هيوز " . وهكذا تضخمت الأسطورة، وحجبت سيلفيا بلاث، لم نعد نراها، كما في كل الشخصيات الأسطورة ، إلا كأننا اثيريا فوقنا دائما، منتيما لعالمه وفضائه البعيد أكثر مما ينتمي إلينا ولعالمنا، مكتفيا بواقعيته التي ينتجها ويعيد انتاجها الاخرون إلى أبد الابدين .حجبت عنا الشاعرة، وبقي الكائن الهلامي . والسؤال البريطاني : " هل كانت سيليفا بلاث شاعرة جيدة؟ " هو محاولة لاستردادها من فضاء الاسطورة ،وتحريرها منه ، واعادتها إلينا كشاعرة قبل كل شيء . إنه سؤال ضروري ينبع من جوهر ثقافة حية، حيوية، نقدية تراجع مسلماتها بين فترة وأخرى، ولا تركن إلى شيء، وبذلك تتقدم .وهو سؤال يطرح، كما في كل القضايا الفلسفية والفكرية والثقافية، ليس لزعزعة قناعات معينة .وإنما لمحاكمة مثل هذه القناعات من اجل امتلاكها بشكل واع بعيداً عن الهوى، القضية أبعد من هذا السؤال الذي يبدو بسيطا في بينة تخضع كل شيء للشك الخلاق وصولا لمعيار نقدي صارم هو أول ما تفاخر به الثقافة الغربيةمنذ ديكارت . إنه سؤال بريطاني ، ونتمنى أن يكون سؤالا عربيا نطرحه كل يوم على ضخيات وظواهر واتجاهات لم نتوقف عندها لنغربلها، ونحاكم قيمتها ليس لنفيها، وانما لا ستعادتها وامتلاكها من جديد . إذا كانت تمتلك مثل هذه القيمة .هناك ضباب كثيف يلفنا حتى لا نكاد نتبين موطئ أقدامنا، وأين نحن واقفون ، وإلى أين نتجه في هذا العالم الملئ بالحفر، أننا قلما نوجه اسئلة إلى الماضي، ونطرح علامات استفهام عن مسلمات فكرية وثقافية، سكنت في رؤوس الناس وكأنها من حقائق الكون والوجود . أننا لا نسائل، لانجرؤ أن نسائل، حتى ظواهر أدبية وثقافية متواترة لا تنتمي الى الثالوث المحرم ، أهوالخوف فقط، أم أننا استعذبنا ذلك الشعور الجميل المخدر، الشعور بالطمأنينة لقناعاتنا وأفكارنا حتى لو كانت تنتمي للأساطير اكثر من انتمائها للحياة ؟ مالك ناصر درار