فعاليات عيد الطائف تجذب 200 ألف زائر    المعالم الأثرية بالأحساء تجذب الأهالي والمقيمين في عيد الفطر    بطابع الموروث والتقاليد.. أهالي حائل يحتفون بالعيد    العيد في المدينة المنورة.. عادات أصيلة وذكريات متوارثة    قائد الجيش السوداني: لا سلام مع «الدعم السريع» إلا بإلقاء السلاح    فيصل بن مشعل يرعى حفل أهالي القصيم بعيد الفطر المبارك    خالد بن سلمان يستقبل قادة وزارة الدفاع وكبار مسؤوليها    المملكة ترحب بتشكيل الحكومة السورية    إطلالة على اليوم العالمي للمسرح    خادم الحرمين: أدام الله على بلادنا أمنها واستقرارها وازدهارها    ولي العهد يؤدي صلاة العيد في المسجد الحرام.. ويبحث المستجدات مع سلام    «سلمان للإغاثة» يوزّع 644 سلة غذائية في محلية بورتسودان بولاية البحر الأحمر في السودان    انقطاع الكهرباء عن مئات الألوف في شرق كندا بسبب عاصفة جليدية    رابطة الأندية المصرية تلغي عقوبة خصم 3 نقاط من الأهلي بعد انسحابه أمام الزمالك    سار تنقل 1.2 مليون مسافر في رمضان    200 حديقة وساحة لاحتفالات تبوك    إنجاز إيماني فريد    الأمانة والدواء البديل.. رأي أم مخالفة؟!    جولة مسرحية لتعزيز الحراك الثقافي بالمملكة    «الإذاعة والتلفزيون» تميزت في محتوى رمضان    «سلمان للإغاثة» يوزّع 869 سلة غذائية في البقاع الأوسط وطرابلس    ولي العهد يؤدي صلاة العيد في المسجد الحرام ويستقبل المهنئين    التسوق الرقمي تجربة فريدة في العيد    محافظ صامطة يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك وسط جموع المصلين    بنهاية شهر رمضان.. تبرعات إحسان تتجاوز 1.8 مليار ريال    نتج عنه وفاتها.. الأمن العام يباشر حادثة اعتداء مقيم على زوجته في مكة    سر تأخر إعلان الهلال عن تمديد عقد البليهي    بين الجبال الشامخة.. أبطال الحد الجنوبي يعايدون المملكة    عيد الدرب.. مبادرات للفرح وورود وزيارات للمرضىع    جوارديولا غاضب بسبب موسم مانشستر سيتي    وزير الحرس الوطني يستقبل قادة الوزارة وكبار مسؤوليها المهنئين بعيد الفطر    أمير منطقة جازان ونائبه يستقبلان المهنئين بعيد الفطر    أمير منطقة جازان يعايد العامري والشيخ معافا    صلاة عيد الفطر في المسجد النبوي    ولي العهد وسلام في صلاة العيد.. لقطة تعكس ثقة السعودية في القيادة اللبنانية    أكثر من 49 ألف مستفيد من الخدمات الطبية بجوار المسجد النبوي خلال شهر رمضان    خادم الحرمين: أهنئكم بعيد الفطر بعد صيام شهر رمضان وقيامه    توقعات بهطول أمطار غزيرة على 7 مناطق    ارتفاع حصيلة قتلى زلزال ميانمار إلى أكثر من 1000    كاميرات المراقبة تفضح اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية    ثنائية مبابي تهدي ريال مدريد الفوز على ليجانيس    العيد انطلاقة لا ختام    545 مليون ريال ل 6 استثمارات سياحية بالأحساء    1320 حالة ضبط بالمنافذ الجمركية    أمير القصيم يشكر خادم الحرمين على تسمية مستشفى شمال بريدة مستشفى الملك سلمان    بلدية وادي الدواسر تُكمل استعداداتها لعيد الفطر بتجهيز الميادين والحدائق    ولي العهد يوجه بتوفير أراض مخططة ومطورة للمواطنين في الرياض    ولي العهد يتلقى اتصالاً هاتفيًا من رئيس دولة الإمارات    الرئيس عون: لبنان دخل مرحلة جديدة بعد عقود من العنف والحروب    وزارة الداخلية.. منظومة متكاملة لخدمة وسلامة وأمن ضيوف الرحمن    برعاية سعودية.. سورية ولبنان تعيدان تعريف العلاقة    خلال أسبوع.. ضبط 25 ألف مخالف للأنظمة    تجمع الرياض الصحي الأول يحقق أرقاماً قياسية في ختام حملة "صم بصحة"    أبشر بالفطور تختتم أعمالها بتغطية محافظات الشرقية و توزيع ٥٠ الف وجبة    تجمع الرياض الصحي الأول يُطلق حملة «عيدك يزهو بصحتك» بمناسبة عيد الفطر المبارك 1446ه    أكثر من 70 ألف مستفيد من برامج جمعية الدعوة بأجياد في رمضان    سوزان تستكمل مجلدها الثاني «أطياف الحرمين»    حليب الإبل إرث الأجداد وخيار الصائمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى غزوة بدر الكبرى .. مآثر عظيمة وقوانين رسمت سياسة الحرب والسلم في يوم الفرقان
نشر في البلاد يوم 27 - 08 - 2010

حوى التاريخ الاسلامي العديد من المآثر العظيمة التي كان لها الأثر في نشر نور الاسلام وبسط الدعوة الى الله من خلال الدعاوي التبشيرية أو الاسفار أو المعارك الطاحنة آبان الدعوة الى عبادة الله في السنوات الاولى لظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن إحدى هذه المعارك الفاصلة والتي تركت أثراً بالغاً لدى الفئات المشركة بالله هي غزوة بدر الكبرى التي دار رحاها في مثل هذا اليوم السابع عشر من شهر رمضان من العام الثاني للهجرة النبوية الشريفة، (624 للميلاد)، كانت موقعة بدر ذات أثر كبير في إعلاء شأن الإسلام، ولذا سُمّيت في القرآن بيوم الفرقان أي اليوم الذي فرق فيه الله بين الحقّ والباطل. ونزلت سورة الأنفال حول وقائع هذه الغزوة. لفتت آيات هذه السورة أنظار المسلمين إلى أوجه القصور الأخلاقي الذي ما زالوا عليه، ليسعوا في إصلاح نفوسهم. وبينت لهم أن النصر من عند الله حتى لا يغتروا بأنفسهم. ووعظت المشركين والمنافقين واليهود وأسارى المعركة، لعلهم يهتدون إلى الحق. وقننت للمسلمين مبادئ وأسس الغنائم، وبينت لهم بعض قوانين الحرب والسلم التي تقوم على الأخلاق والمثل العليا، وقررت لهم بنودًا من قوانين الدولة الإسلامية التي تقيم الفرق بين المسلمين الذين يسكنون داخل حدودها، والذين يسكنون خارجها. كما نزل بسورة آل عمران آيات كثيرة بشأن هذه الغزوة.
أسباب غزة بدر
علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قافلة لقريش محملة بالبضائع بقيادة أبي سفيان قد خرجت من الشام في طريقها إلى مكة، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم اثنين من أصحابه لمراقبة عير قريش، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها، وجعل الخروج اختياريًّا، فخرج معه ثلاثمائة وأربعة عشر مسلمًا، ولم يكن معهم سوى سبعين جملا وفرسين، فكان كل ثلاثة من المسلمين يتناوبون الركوب على جمل.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمشي على رجليه، ويتناوب الركوب مع أبي لبابة، وعلي بن أبي طالب على جمل واحد، كل منهم يركب فترة من الزمن فقالا له: نحن نمشي عنك، فقال صلى الله عليه وسلم في تواضع عظيم: (ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما) _[أحمد] وكان أبو سفيان رجلا ذكيًّا، فأخذ يتحسس الأخبار، ويسأل من يلقاه عن المسلمين خوفًا على القافلة، فقابل أحد الأعراب يسمى مجدي بن عمرو فسأله: هل أحسست أحدًا؟ فقال: إني رأيت راكبين وقفا عند البئر، فرأونا ثم انطلقا، فذهب أبو سفيان إلى مكانهما، وأمسك روثة من فضلات الإبل ففركها في يده، فوجد فيها نوى التمر، وكان أهل المدينة يعلفون إبلهم منه، فقال أبو سفيان: هذه والله علائف يثرب. وعلم أن الرجلين من المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إليهم، فغير طريقه بسرعة وفرَّ هاربًا بقافلته، وأرسل إلى قريش يستنجد بهم؛ ليحموه من المسلمين، ووصل رسول أبي سفيان إلى قريش، ووقف على بعيره، وأخذ ينادي ويصيح: يا معشر قريش! أموالكم مع أبي سفيان، قد عرض لها محمد وأصحابه، لا أرى أن تدركوها .. الغوث، الغوث .. وظل الرجل ينادي حتى تجمع الناس، وخرجوا بأسلحتهم وعدتهم ليحموا أموالهم. في الوقت نفسه كان أبو سفيان قد نجا بالقافلة، وأرسل إلى قريش يخبرهم بذلك، فرجع بعضهم، وكاد القوم يعودون كلهم؛ لأنهم ما خرجوا إلا لحماية قافلتهم، ولكن أبا جهل دفعه الكبر والطغيان إلى التصميم على الحرب، وعزم على أن يقيم هو والمشركون ثلاثة أيام عند بئر بدر، بعد أن يهزم المسلمين فيأكلون الذبائح، ويشربون الخمور، وتغني لهم الجواري حتى تعلم قبائل العرب قوة قريش، ويهابها الجميع، وهكذا أراد الله -تعالى- أن تنجو القافلة، وأن تقع الحرب بين المسلمين والمشركين.
وأصبح المسلمون في موقف حرج؛ لأن عددهم أقل من عدد المشركين، وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير كبار المهاجرين والأنصار في أمر القتال، فتكلم المهاجرون كلامًا حسنًا، أيدوا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في قتال المشركين، وقال المقداد بن عمرو: (يا رسول الله، امض لما أمرك الله فنحن معك) ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ظل ينظر إلى القوم، وهو يقول: أشيروا علي أيها الناس.
ففهم سعد بن معاذ كبير الأنصار أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد رأي الأنصار، فقد تكلم المهاجرون، وأيدوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقيت كلمة الأنصار، فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، لقد آمنا بك، وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك. _[ابن إسحاق] فَسُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم لاتفاق المسلمين على مواجهة الكفار.
وبدأ الفريقان يستعدان للمعركة، وأول شيء يفكر فيه القادة هو معرفة أخبار العدو، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه؛ عليًّا وسعدًا والزبير إلى ماء بدر؛ ليعرفوا أخبار الكفار، فوجدوا غلامين لقريش، فأخذوهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألهما عن عدد قريش، فقالا: لا ندري، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم: كم ينحرون كل يوم من الإبل. فقالا: يومًا تسعًا، ويومًا عشرًا. وكان معروفًا عند العرب أن البعير الواحد يكفي مائة رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (القوم فيما بين التسعمائة والألف) [ابن إسحاق]. وهكذا يضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا في القيادة الحكيمة، والتفكير السليم لمعرفة أخبار العدو، ثم قال للغلامين: (فمن فيهم من أشراف قريش؟) فعدَّا له أشراف قريش، وسادتها، وكانوا على رأس جيش المشركين، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، فقال: (هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها) وهكذا عرف الرسول صلى الله عليه وسلم عدد أعدائه، وأسماء كبارهم أيضًا، وعلى الجانب الآخر أرسل الكفار رجلاً منهم وهو عمير بن وهب ليعرف عدد المسلمين، ثم عاد فقال: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون.
وصل المسلمون إلى مكان بئر بدر، فأقاموا عليه، وجعلوه خلفهم حتى يتمكنوا من الشرب دون الكفار، وأشار سعد بن معاذ على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ عريشًا (مكانًا مظللا) يشرف من خلاله على المعركة، ويقوم بإدارتها، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا له بالخير، ونظم الرسول صلى الله عليه وسلم صفوف جيشه تنظيمًا دقيقًا، فجعله كتيبتين؛ واحدة للمهاجرين عليها علي بن أبي طالب، والأخرى للأنصار ولواؤها مع سعد بن معاذ، وجعل ميمنة الجيش مع الزبير بن العوام، وجعل المقداد بن الأسود قائدًا لميسرة الجيش، وجعل على قيادة مؤخرة الجيش قيس بن صعصعة. أما القيادة العامة للجيش فكانت في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوصاهم صلى الله عليه وسلم بالحكمة في استعمال النبال ضد أعدائهم، فلا يضربونهم حتى يكونوا في مرمى السهام وفي متناول أيديهم، ولا يستخدمون سيوفهم حتى يقتربوا منهم، وتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه ورفع يديه في خشوع وضراعة قائلاً: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك) وظل يدعو حتى وقع رداؤه عن كتفه من كثرة الدعاء، فأشفق عليه أبو بكر، وقال له: أبشر يا رسول الله، فوالذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك. _[متفق عليه].
وخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة، ثم انتبه وقال: (أبشر يا أبا بكر! أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بزمام فرسه عليه أداة حرب) فقد أرسل الله ملائكته تأييدًا للمسلمين، فقال تعالى: {فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [_الأنفال: 9].
أحداث المعركة:
قبيل القتال وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يعظ المسلمين، ويذكرهم بالصبر والثبات والقتال في سبيل الله، ويبشرهم بجنة الله، وجاء الأسود بن عبد الأسد يهجم على حوض المسلمين، وقد أقسم أن يشرب منه، فتصدى له حمزة بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم فضربه ضربة شديدة على رجله واستمر الرجل يزحف ويعاند حتى يفي بقسمه، فأسرع حمزة بضربه ضربة ثانية، سقط بعدها قتيلا إلى جانب الحوض. وبدأت المعركة صباح يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان، العام الثاني للهجرة، وتقدم ثلاثة من كبار المشركين وهم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد بن عتبة، فنهض لهم ثلاثة من الأنصار، لكن المشركين ردوهم، وأرادوا مبارزة المهاجرين، ثم نادى مناديهم قائلا: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي .. فوثبوا على أعدائهم كالأسود، وفي لمح البصر قتل حمزة شيبة بن ربيعة، وقتل علي الوليد بن عتبة، أما عبيدة فتبادل الضرب مع عتبة بن ربيعة، وجرح كل منهما الآخر، فوثب حمزة وعلي على عتبة، فقتلاه وحملا صاحبهما إلى المسلمين. ويظهر تأييد الله -عز وجل- لأوليائه في شهود الملائكة للمعركة، قال تعالى: {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام . إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان . ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب . ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار} [الأنفال:11-14].رأى المشركون ثلاثة من كبارهم قد قتلوا، فغضبوا لأنهم أكثر من المسلمين، وظنوا أنهم يستطيعون هزيمتهم بسهولة، فدخلوا في معركة حامية مع المسلمين، ولكن الكفار كانوا يتساقطون الواحد بعد الآخر أمام المسلمين حتى قُتل منهم سبعون، وأُسر سبعون.وفي هذه المعركة، التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة، ففصلت بينهم السيوف؛ فأبو بكر -رضي الله عنه- في صف الإيمان وابنه عبد الرحمن يقاتل في صفوف المشركين، وكذلك عتبة بن ربيعة الذي كان أول من قاتل المسلمين من الكفار، فكان ولده أبوحذيفة من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سحبت جثة عتبة بعد المعركة لترمى في القليب، نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي حذيفة فإذا هو كئيب قد تغير لونه!! فاستوضح منه سر حزنه، وهل هو حزين لمقتل أبيه أم لشيء في نفسه؟ فأخبره أبو حذيفة أنه ليس حزينًا لمقتل أبيه في صفوف المشركين، ولكنه كان يتمني أن يرى أباه في صفوف المسلمين لما يتمتع به من حلم وفضل. [ابن إسحاق].
وحين مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقليب على قتلى قريش، ناداهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وقال لهم: (أيسرُّكم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربُّنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟!) فقال عمر: يا رسول الله، ما تُكلمُ من أجساد لا أرواحَ لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم). _[البخاري].
وعاد المسلمون إلى المدينة، وقد نصرهم الله -تعالى- على عدوهم في أولى المعارك التي خاضوها، وهاهم أولاء يجرون معهم سبعين أسيرًا من المشركين بعد أن قتلوا سبعين مثلهم، وفي الطريق قَتَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنين من أكابر المجرمين الموجودين في الأسرى؛ وهما النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط لأنهما طغيا وأذيا المسلمين إيذاءً شديدًا، أما باقي الأسرى فتشاور الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في أمرهم هل يقتلونهم أم يقبلون الفدية ويطلقونهم؟ فأشار عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يقتلوهم، وأشار أبو بكر -رضي الله عنه- أن يطلقوا سراحهم مقابل فدية (مبلغ من المال) تكون عونًا للمسلمين على قضاء حوائجهم، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر.
ولكن القرآن الكريم نزل يؤيد رأي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال الله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم . لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} [الأنفال: 67-68]
حالة قريش بعد بدر:
امتلأت مكة بالغيظ والحزن، فقد هزمهم المسلمون، وقتلوا أشرافهم، ولم تكن قريش تتوقع أن تنال مثل هذه الهزيمة من المسلمين، فهذا أبو لهب -ولم يشهد بدرًا- يرى أبا سفيان بن الحارث قادمًا فيسرع إليه ويقول له -وهو يريد أن يفهم كيف هزم المسلمون قومه وهم أكثر منهم-: يابن أخي! أخبرني كيف كان أمر الناس؟
فقال أبو سفيان: والله ما هو إلا أن لقينا القوم، فمنحناهم أكتافنا يقودوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا، وايم الله (يمين الله) مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضًا، على خيل بلق (لونها بياض وسواد) بين السماء والأرض، فقال رافع مولى العباس بن عبد المطلب -وكان مسلمًا يكتم إسلامه-: تلك والله الملائكة، فإذا بالغيظ يملأ وجه أبي لهب، فرفع يده وضرب أبا رافع على وجهه ثم حمله وضرب به الأرض، ثم برك عليه يضربه، فقامت أم الفضل -زوجة العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم- إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربت به أبا لهب ضربة أصابته في رأسه، وقالت: استضعفتَه أن غاب عنه سيده، فقام أبو لهب موليًا ذليلا، وما عاش بعد ذلك إلا سبع ليال حتى أصابه الله بمرض خطير فقتله.
من المظاهر العظيمة في غزوة بدر
مناشدة الرسول ربه النصر
قال ابن إسحاق : ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه فيه أبو بكر الصديق، ليس معه فيه غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد وأبو بكر يقول يا نبي الله بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك . وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله . هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع
تحريض المسلمين على القتال
قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم وقال والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة . فقال عمير بن الحمام، أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل. قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عوف بن الحارث، وهو ابن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده ؟ قال غمسه يده في العدو حاسرا . فنزع درعا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل .
نزول سورة الأنفال
قال ابن إسحاق : فلما انقضى أمر بدر أنزل الله عز وجل فيه من القرآن الأنفال بأسرها، فكان مما نزل منها في اختلافهم في النفل حين اختلفوا فيه يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين . فكان عبادة بن الصامت - فيما بلغني - إذا سئل عن الأنفال قال فينا معشر أهل بدر نزلت حين اختلفنا في النفل يوم بدر فانتزعه الله من أيدينا حين ساءت فيه أخلاقنا، فرده على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بيننا عن بواء - يقول على السواء - وكان في ذلك تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وصلاح ذات البين .
نتائج غزوة بدر الكبرى
كان من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين وأصبحوا مرهوبين في المدينة وما جاورها. كما أنها تركت في نفوس أهل مكة المشركين أحزانًا وآلامًا شديدة بسبب هزيمتهم ومن فُقدوا أو أُسروا مثلما حصل لأبي لهب الذي أصيب بالعلة ومات، وأبي سفيان الذي فقد أحد أبنائه وأُسر له آخر. كما أَن النصر المبين قد أبان حقيقة ما في نفوس اليهود والمنافقين والمشركين في المدينة من حقد وتآمر ضد محمد وأََصحابه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.