لا شك اننا نستهلك من الورق فوق حاجتنا فالمدرسون والمدرسات يطالبون التلاميذ في كل عام بدفاتر جديدة ثم لا يستخدم من الدفتر الا نصفه أو ربعه ثم يرمى في المهملات. ولا أدري ما هو المانع من استخدام نفس الدفاتر في السنة التالية حتى اذا امتلأ الدفتر بدأنا في دفتر جديد وبذلك نوفر الورق ونضمن استمرارية الاتصال بين سنين الدراسة بمجرد تقليب الصفحات وتضرب لنا الدول الغنية المثل في التوفير والاقتصاد ففي امريكا يوزعون في الندوات العلمية المدفوعة الثمن اقلام رصاص بحجم عقلة الاصبع ثم يجمعوها بعد الندوة بمنتهى الدقة والحرص. وقد ابتكر احد اليابانيين طريقة للاستفادة من أقلام الرصاص المستهلكة التي لم يعد بالامكان الامساك بها، فلصق الاثنين منها ، ظهراً بظهر، ليعاد استعمالها إلى نهاية رصاصها، فاستحق جائزة على هذا الابتكار. ولهذا فأنا اتمنى أن نقلد الدول العظمى في التوفير والاقتصاد فنطلب من الطلاب والطالبات الاحتفاظ بدفاترهم في نهاية الترم أو نهاية السنة كي يستعملوها في الترم التالي أو السنة التالية. وكان الورق نادر بجزيرة العرب فقد ذكر أمين الريحاني في أن الرسائل كانت تكتب قبل ثمانين سنة على قصاصات من الورق ثم يعود الرد على نفس القصاصة ويتكرر ذلك حتى تستنفذ كل فراغات القصاصة فترمى الورقة عندئذ، فأين نحن اليوم من هذا الاقتصاد والتوفير. وذكر الثعالبي في خاص الخاص أن محمد بن عبدالله بن طاهر أوصى الكتاب بالتوفير حين شح الورق في بغداد فكتب لهم: "دققوا الاقلام وأوجزوا الكلام فان القراطيس لا ترام". ولعل أكبر مثل للاقتصاد في استعمال الورق هو جواز السفر الذي يستخدم لخمس سنوات فلا يبقى فيه بنهاية الخمس سنوات أي فراغ لختم الوصول وختم المغادرة. ومن الطرائف ما ذكره لي أحد الاخوة العرب من أن موظفي الجمارك في بلده يكتبون ما يحضره المسافر من الممنوعات على جواز السفر لفرز تجار الشنطة، وفي مرة لم يبق بجواز سفره من الفراغ الا المساحة الواقعة فوق خانة الاسم، فكتب مامور الجمرك في هذا المكان، شنابر ماطور، كان قد احضرها معه، الا ان النكتة ان اسمه صار يقرأ في المطارات العربية شنابر ماطور لفترة من الزمن. وقد بدأت التكنولوجيا في ايجاد الحلول لتوفير الورق، وانقاذ الاشجار التي يصنع منها الورق، فتوفر نوع من الورق تمسح منه الكتابة بالنسختين، ثم يعاد استخدامه عدة مرات، كما يتحدث الخبراء عن نهاية عصر الصحافة الورقية، وقد تحولت بعض الصحف الغربية الكبرى مثل الكريستيان سينص مونيتور إلى نسخة الكترونية فقط، وربما تحولت كل الكتب والقراطيس في المستقبل، إلى نسخ الكترونية في الحواسيب، الا ان المشكلة ان ما كتب بالقلم.. يبقى علم. وما دون في الحاسوب .. فص ملح.. ويذوب. د. علي محسن السقاف