تصوير - ابراهيم بركات .. عقد في مقر منظمة المؤتمر الاسلامي بجدة ظهر أمس اجتماع خاص للمندوبين الدائمين لدى منظمة الاستغناء الذي نظم في سويسرا لمنع المآذن في المساجد الاسلامية وقد القى كلمة المملكة العربية السعودية في هذا الاجتماع الدكتور عادل سراج مرداد رئيس الادارة العامة للشؤون الاسلامية بكلمة قال فيها: تأتي استضافة منظمة المؤتمر الاسلامي لهذا الاجتماع في إطار المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقها للدفاع عن القضايا التي تهم الامة الاسلامية والتعبير عنها في المحافل الدولية والتصدي لمحاولات التميز التي يتعرض لها اخواننا المسلمين في العديد من دول العالم خاصة في اوروبا وهو الامر الذي يجد كل تقدير من حكومة المملكة العربية السعودية. لقد تابعت المملكة بكل اهتمام ما تمخض عن نتائج الاستفتاء الشعبي الذي اجرى في جنيف لحظر بناء المآذن وما أثاره من ردود فعل كبيرة لدى العديد من دول العالم والمنظمات الاسلامية والدولية بل تعدى ذلك الى الفاتيكان الذي أيد موقف الاساقفة السويسريين الذين اعتبروا ان حظر بناء المآذن (ضربة قاسية لحرية المعتقد) وما تمثله هذه النتائج من تعارض مع إلتزامات سويسرا الدولية في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير والاعتقاد والدين ولعلنا بهذه المناسبة نقدر موقف الحكومة السويسرية الرامي الى تهدئة التوترات الدينية والعمل على تعزيز التفاهم والتعاون مع المسلمين الذين يعيشون على اراضيها وما صدر من تصريحات لبعض كبار المسؤولين السويسريين في هذا الصدد ومنهم معالي وزيرة الخارجية وسفير سويسرا لدى الاممالمتحدة. إن أي تحرك للتصدي لهذا الموضوع لابد ان يتم من خلال العمل والتعاون مع الحكومة السويسرية التي تربطها علاقة وثيقة مع منظمة المؤتمر الاسلامي واستثمار موقف سويسرا حيال حظر بناء المآذن لحشد الدعم والتأييد من قبل المنظمات غير الحكومية والناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني ومجلس حقوق الانسان والبرلمان الاوروبي وغيرها من الهيئات المناهضة للتميز العنصري وتقترح المملكة مناسبة ان ينظر هذا الاجتماع في كيفية تقديم الدعم والمساعدة للجاليات والاقليات الاسلامية السويسرية في شكواهم المقدمة للمحاكم السويسرية والمحكمة الاوروبية في استراسبورغ والى مجلس حقوق الانسان او اية جهة لا تؤيد نتائج الاستفتاء. ومن جانب آخر فان منظمة المؤتمر الاسلامي مدعوة الى التفكير في وضع برنامج عملي ضمن خطتها الاستراتيجية لمواجهة الاسلاموفوبيا في اوروبا والعالم الغربي بهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الاسلام والمسلمين لدى الرأي العام الغربي وتشجيع الحوار بين اتباع الديانات والثقافات المختلفة الذي دعا اليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مبادرته التاريخية والتي لاقت اصداء ايجابية من كافة دول العالم واعتبرها الكثير من المفكرين ورجالات الدين والسياسة انها نقطة تحول جديدة في الحوار بين اتباع الحضارات وتأكيده -حفظه الله- على التعايش السلمي بين شعوب العالم ونشر ثقافة التسامح والقواسم المشتركة بين الناس والابتعاد عن تأجيج الصراعات الدينية والحضارية وما ينتج عنها من عنف وتصادم بين الشعوب وخطورة ذلك على التعايش والسلم العالمي وان يتم الاستفادة ايضا من نتائج المؤتمرات التي انعقدت لمناقشة هذه المبادرة سواء في مكةالمكرمة او في مدريد او في الاممالمتحدة او في سويسرا نفسها ولا ننسى اهمية التواصل مع الاوروبيين المتعاطفين مع القضايا الاسلامية لكسبهم والاستفادة منهم في الندوات والمؤتمرات والظهور على وسائل الاعلام المختلفة لتوضيح الحقائق وان تتم الاستفادة ايضا من بيوتات الخبرة في وضع آليات لكيفية التواصل مع الرأي العام الغربي بمختلف شرائحه السياسية والتشريعية والتنفيذية والشعبية. ختاما نشكر الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي على مبادرتها باستضافة هذا الاجتماع المبارك ونسأل المولى تبارك وتعالى ان يوفقنا لما يحبه ويرضاه وان يكلل أعمالنا بالتوفيق والسداد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كلمة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ثم ألقى البروفسير اكمل الدين احسان اوغلي الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي كلمة هامة في الاجتماع قال فيها : يطيب لي أن أرحب بكم جميعا وان اشكركم على تفضلكم بالحضور الى جدة للمشاركة في اجتماع خاص للمندوبين الدائمين لدى منظمة المؤتمر الاسلامي للتباحث في موضوع يستأثر باهتمام المسلمين والعالم الاسلامي، كما يستقطب انتباه الرأي العام الدولي، ويتعلق الأمر بالاستفتاء الذي نُظم في سويسرا لمنع بناء المآذن في المساجد الاسلامية هناك، وبتداعيات هذا المنع على حقوق المسلمين الدينية لا في سويسرا فحسب، بل وفي المحيط الاوروبي الأوسع. ومع ان هذا المنع قد جاء نتيجة مسلسل ديمقراطي فإن موضوعه تشويه مآخذ تشكك في شرعيته، باعتباره سعى لنقض مبادئ أساسية لحقوق الانسان، والقانون الدولي، والقيم الانسانية السامية، ما ان المنع يحمل في طياته دلالات خطيرة، ويمهد لمضاعفات بالغة الدقة، وعواقب وخيمة، من شأنها نقل ظاهرة معاداة الاسلام (أو الاسلاموفوبيا) من مجال التصرفات الفردية والاعلام الى المجال الرسمي الحكومي بل والدستوري. وفي هذا تأصيل مؤسسي للاسلاموفوبيا، وتصعيد خطير لتجلياتها، ويُخشى ان يصبح هذا التصرف السويسري مثالا وسابقة تحتذيها دول أوروبية أخرى، مما سيعمل على خلق تهديد جدي لمستقبل العلاقات بين الاسلام والغرب. وقد رصدت الامانة العامة للمنظمة هذا التوجه السويسري منذ نشأته في نوفمبر 2007، ودخلت في اتصالات مستمرة على أعلى مستوى مع الحكومة السويسرية منذ ذلك الوقت، في محاولة لتدارك الموقف، واجتمعت مع وزيرة خارجية سويسرا (السيدة ميشلين كالمي ري Micheline Calmy - Rey عدة مرات، كما تواصلت طوال هذه الفترة الاجتماعات بين الامانة العامة وسفارة سويسرا في الرياض ومع كبار الموظفين في وزارة الخارجية السويسرية في بارن وجدة. من الضروري ان ندرك ان المآذن الاربعة الموجودة في سويسرا لم تكن في حقيقة الأمر لتزعج المواطن السويسري الى حد اجراء استفتاء لمنع بناء المزيد منها. وبناء مسجد في أي بلدة أوروبية لم يكن شيئا يلق المواطن الاوروبي الى درجة التصدي لمنع بنائه، وما هذه الذرائع والمعاذير سوى غطاء لما يعتمل في صدور المناهضين للاسلام في الغرب، يستهدف معاداة الوجود الاسلامي في بلادهم. وهذا الوجود إما انه وجود طبيعي يتكون من شعوب اوروبية خالصة اعتنقت الاسلام منذ قرون طويلة، أو وجود ناشيء عن هجرة أعداد من المسلمين ذهبوا الى اوروبا في اعقاب الحرب العالمية الثانية استجابة لطلب السلطات الاوروبية الرسمية آنذاك للقيام بحاجات ضرورية تتوقف عليها عملية تسيير دواليب العمل في جل مرافق الحياة في الغرب، وما زالت هذه الحاجات ضرورية الى الآن. وأدى تزايد عدد المسلمين في بعض الدول الاوروبية مؤخرا نتيجة تداعيات ظاهرة العولمة الى ظهور أزمة هوية لدى فئات من الاوروبيين الذين أخذوا يتنكرون لمبادئهم المتعلقة بالتعددية الثقافية والتسامح والاعتراف بالغير، وأصبحوا يضيقون ذرعا ويتذمرون من الوجود الاسلامي بين ظهرانيهم مع ان نسبة المسلمين في اوروبا لا تزيد عن 5%. وأصبحت تطفو على السطح الآن في اوروبا عبارات كانت تقال في الماضي في الخفاء مفادها ان عدم اندماج المسلمين في اوروبا راجع الى قصور في الحضارة الاسلامية يجعلها لا ترقى الى مستوى الحضارة الاوروبية. وأخذت ظاهرة الاسلاموفوبيا بالتنامي بكيفية تثير كثيرا من القلق. ولقد جاء نموذج الاستفتاء السويسري ليوسع دائرة مظاهر الاسلاموفوبيا من نطاق الافراد والاعلام الى نطاق القرار الحكومي المؤصل في الدستور والقانون. وهذه نقلة نوعية لا يمكن التغاضي عنها، تدخل في سياق ظاهرة عنصرية تمييزية كاسحة. وأصبحنا نواجه اليوم حالة بالغة التعقيد متعددة الابعاد، والتعامل الصحيح مع هذه الحالة أمر قد يتجاوز جزئية قضية منع المآذن، ويحتاج الى كثير من التمعن والدقة، والى تصور شامل لمعالجة ظاهرة معاداة الاسلام من منظار تصور شامل. واضاف الامين العام للمنظمة اما قضية بناء المآذن في سويسرا فإنها تبقى قضية قانونية بالاساس، وقد نتمكن من التعامل معها عن طريق القضاء السويسري او الاوروبي (المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان) بطريق مباشر او غير مباشر. ونأمل ان تستمر الحكومة السويسرية في التعاون مع الجهود المبذولة حاليا لإلغاء قرار الحظر على بناء المآذن لان بقاء الوضع الراهن على حاله يسبب لهذه الحكومة ضررا يمس بسمعتها ومبادئها ومصالحها. ولذلك وجب علينا في الوقت الراهن على الأقل ان نرصد التحرك السويسري الرسمي المناهض للمنع، وان نكون جزءا منه. على ان نعمل في الوقت ذاته على معالجة الاسباب الحقيقية التي وصلت بالشعب السويسري الى سلوك هذا النهج. اننا نهيب بالحكومة والشعب السويسريين ان يثبتا ما اشتهرا به من تسامح كما نأمل ان تعلن المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان قانون حظر المآذن غير قانوني. لقد عهد قادة الامة الاسلامية الى منظمتكم مهمة متابعة ظاهرة الاسلاموفوبيا والتصدي لها وقد قمنا بجهود دؤوبة هذا الاطار. على ان التطور النوعي الجديد الذي تشكله مسألة حظر بناء المآذن في سويسرا، إذ يدعونا الى المضي قدما في هذه الجهود، فإنه يفرض علينا ضرورة وضع برنامج خاص. لقد آن الأوان للخروج من وضع رد الفعل الى الفعل ذاته وستبقى منظمة المؤتمر الاسلامي ملتزمة بالعمل من أجل جمع الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص في الغرب والعالم الاسلامي في حوار مثمر يهدف لمقاومة التطرف واللاتسامح ويسعى لفائدة التعايش بين الثقافات والمعتقدات القائم على الانسجام. آملا ان تتمكنوا من وضع التوصيات المناسبة لمعالجة هذا التطور الجديد. وفقنا الله جميعا لما فيه خير الاسلام والمسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.