عقدت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس السبت اجتماعات وُصّفت بأنها "بنّاءة" و"إيجابية" مع كبار المسؤولين اللبنانيين يتقدمهم الرئيس جوزيف عون، تم خلالها بحث الوضع في جنوبلبنان إلى جانب قضايا أخرى. تأتي زيارة أورتاغوس الثانية إلى لبنان على وقع عودة الجدل بشأن نزع سلاح "حزب الله" إلى الواجهة وفي وقت تواصل إسرائيل شن غارات على جنوب وشرق لبنان رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 نوفمبر. وأفاد بيان الرئاسة اللبنانية بأن "أجواء بنّاءة" سادت اللقاء الذي عقد في القصر الجمهوري في بعبدا بين عون وأورتاغوس، مضيفا أنهما بحثا "ملفات الجنوباللبناني، وعمل لجنة المراقبة الدولية، والانسحاب الإسرائيلي والوضع في الجنوب". وأفاد بيان صادر عن رئاسة الحكومة بأن أورتاغوس عقدت أيضا اجتماعا مع رئيس الوزراء نواف سلام سادته أجواء "إيجابية" إذ بحثا تطورات الوضع في الجنوب وعلى الحدود اللبنانية السورية "مع التأكيد على ضبطها بشكل كامل ومنع حصول أي توترات أو فوضى ومنع كل أشكال التهريب". كما بحثت مع سلام تدابير الجيش لتطبيق القرار الأممي 1701 الذي أنهى في صيف 2006 حربا مدمرة بين "حزب الله" وإسرائيل، وأعيد التشديد عليه في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، و"اتفاق الترتيبات الأمنية لوقف الأعمال العدائية بالتعاون مع لجنة المراقبة العسكرية، بالإضافة الى استكمال الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية"، بحسب البيان الحكومي. غارة إسرائيلية على الجنوب تقتل مسؤولًا «حمساوياً» وينص القرار 1701 على بسط الدولة سيطرتها على كامل أراضيها بما فيها جنوبلبنان وحصر السلاح في يد الجيش اللبناني. أثارت أورتاغوس غضب "حزب الله" في فبراير بإعلانها انتهاء "عهد حزب الله في الترهيب في لبنان وحول العالم" مع دعوتها إلى "حل سياسي" للنزاعات الحدودية بين إسرائيل ولبنان. خاض "حزب الله" الذي كان يتحكّم بالقرار اللبناني خلال السنوات الأخيرة حربا مع إسرائيل على مدى أكثر من عام أضعفت قدراته، بينما قتلت إسرائيل العديد من قياداته على رأسهم الأمين العام السابق حسن نصرالله. وتترأس الولاياتالمتحدة مع فرنسا لجنة للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار بين التنظيم المدعوم من إيران واسرائيل، تضمّ الأممالمتحدة إلى جانب لبنان وإسرائيل. وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، كان أمام إسرائيل حتى 26 يناير لتسحب قواتها من جنوبلبنان، لكنها أكدت أنها ستبقيها لفترة إضافية معتبرة أن لبنان لم ينفذ الاتفاق "بشكل كامل". واتهم لبنان إسرائيل ب"المماطلة" في تنفيذ الاتفاق. وأعلنت الحكومة في 27 يناير أنها وافقت على تمديد تنفيذ الاتفاق حتى 18 فبراير بعد وساطة أميركية. لكن الدولة العبرية أبقت على تواجدها في "خمسة مرتفعات استراتيجية" على امتداد الحدود، قائلة إن ذلك هدفه التأكد "من عدم وجود تهديد فوري" لأراضيها. في المقابل، اعتبر لبنان ذلك بمثابة "احتلال" وطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لإتمام انسحابها. الوضع الاقتصادي وأعلنت أورتاغوس في وقت سابق أنه سيتم تشكيل ثلاث مجموعات عمل دبلوماسية بشأن القضايا العالقة بين لبنان وإسرائيل، إحداها مخصصة لتسوية النزاع الحدودي البري بين البلدين. وتتولى مجموعة عمل من بين المجموعات الثلاث كذلك مسألة إطلاق سراح بقية المعتقلين اللبنانيين لدى إسرائيل، وأخرى مسألة النقاط الخمس التي أبقت إسرائيل فيها قواتها في جنوبلبنان. ناقشت أورتاغوس مع عون أيضا الإصلاحات المالية والاقتصادية ومكافحة الفساد غداة تسلّم الحاكم الجديد لمصرف لبنان كريم سعيد منصبه الجمعة متعهّدا مكافحة "غسل الأموال" و"تمويل الإرهاب". وخلال اجتماعها مع سلام، بحثت الموفدة الأميركية ملفات الإصلاح المالي والاقتصادي بينما تم التشديد على ضرورة الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بحسب بيان رئاسة الحكومة، في وقت يعاني لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ العام 2019. يشترط المجتمع الدولي على السلطات تنفيذ إصلاحات ملحة في قطاعات عدة بينها إعادة هيكلة القطاع المصرفي، للحصول على دعم مالي. والتقت أورتاغوس أيضا رئيس البرلمان نبيه بري، حليف "حزب الله"، وقائد الجيش العماد رودولف هيكل. انعاش البنوك ومكافحة تمويل الإرهاب قال كريم سعيد حاكم مصرف لبنان الجديد الجمعة إن على البنوك التجارية زيادة رؤوس أموالها أو الاندماج مع مؤسسات أخرى وإلا فستواجه الإغلاق، وذلك وهو يوضح الخطوط العريضة لخطط إنعاش النظام المالي المتعثر مؤكدا أن حقوق صغار المودعين ستكون على رأس الأولويات. وأضاف أن البنك المركزي سيركز على مكافحة تمويل الإرهاب و"القضاء على الاقتصاد غير الشرعي" في وقت يسعى فيه لرفع اسم لبنان من "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي (فاتف) التي تتطلب تدقيقا خاصا. ويتولى سعيد رئاسة مصرف لبنان في وقت لا تزال تعاني فيه البلاد من تداعيات أزمة مالية بدأت في 2019 عندما أدت عقود من هدر الإنفاق والفساد إلى تخلف الدولة عن سداد ديونها الضخمة، وانهيار العملة، وتوقف النظام المصرفي. وجاء تعيينه في إطار تغييرات جذرية في المناصب العامة بعد حرب استمرت نحو عام بين إسرائيل وجماعة "حزب الله" اللبنانية التي تتمتع بنفوذ كبير في شؤون الدولة لكن الحرب أضعفتها بدرجة كبيرة. وقال سعيد إن مصرف لبنان سيعمل على إعادة هيكلة الدين العام وسداد أموال صغار المودعين، كما دعا البنوك الخاصة إلى "زيادة رؤوس أموالها بإضافة أموال جديدة تدريجيا وعلى أي بنك لا يرغب بذلك أن يندمج مع بنوك أخرى" وإلا فستتعرض للتصفية بطريقة منظمة مع إلغاء تراخيصها وحماية حقوق المودعين فيها. وأشار إلى أن الأولوية يجب أن تكون سداد أموال صغار المودعين وقال إن المسؤولية في ذلك تتشارك فيها البنوك التجارية مع مصرف لبنان والدولة اللبنانية. وتُقدر الخسائر في النظام المالياللبناني نتيجة انهيار عام 2019 بنحو 72 مليار دولار. ولم تحرز حكومات متعاقبة تقدما يذكر في تنفيذ الإصلاحات الضرورية لإنعاش الاقتصاد منذ الانهيار المالي، وألقي اللوم على نطاق واسع إلى المصالح الخاصة التي عرقلت التغيير. وقال البنك الدولي في 2022 إن الانهيار جاء بسبب نخبة حاكمة أساءت لفترة طويلة استغلال موارد الدولة. وطلبت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نواف سلام من صندوق النقد الدولي التفاوض على برنامج دعم مالي. وقال الصندوق إن لبنان بحاجة إلى استراتيجية شاملة لإحياء الاقتصاد. كما تعهد سعيد بحماية استقلالية المصرف المركزي من أثر الضغوط السياسية ومنع تضارب المصالح. وقال "سأحرص على أن تبقى هذه المؤسسة الوطنية مستقلة في قراراتها، محصنة من التدخلات.. ومرتكزة على المبادئ الأساسية وضمان المحافظة على استقلالية عمل مصرف لبنان من الضغوط السياسية وتأثير نفوذ القطاع المصرفي والهيئات الاقتصادية لمنع تضارب المصالح". غسل الأموال أوضح سعيد، الذي عُين الأسبوع الماضي، أولوياته الرئيسية خلال تسلمه منصبه رسميا من القائم بأعمال حاكم المصرف المركزي المنتهية ولايته وسام منصوري. وقال إن "أهمها مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب" والكشف عن أصحاب النفوذ السياسي والمالي وأقاربهم ومن يرتبط بهم. وأدرجت مجموعة العمل المالي العام الماضي لبنان على القائمة الرمادية في خطوة أثارت قلقا من أنها قد تثبط الاستثمار الأجنبي الذي يحتاجه لبنان للتعافي من الأزمة المالية. وتمويل الإرهاب وغسل الأموال من أبرز مخاوف الولاياتالمتحدة، التي تريد منع جماعة "حزب الله" اللبنانية من استخدام النظام المالي والتدفقات النقدية عبر البلاد لإعادة بناء قدراتها. وأشار سعيد إلى أن أي أنشطة تخالف قانون النقد والائتمان بقبول ودائع نقدا أو بأي طريقة أخرى أو بإصدار قروض هي غير قانونية ولا مشروعة وستمنع. وتدير جماعة "حزب الله" اللبنانية منذ فترة طويلة مؤسسة مالية خاصة هي (مؤسسة القرض الحسن) التي تقدم قروضا وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية. وتعمل الجمعية بموجب ترخيص من الحكومة اللبنانية لكن وزارة الخزانة الأميركية فرضت عقوبات عليها منذ 2007. وأحجم متحدث باسم مصرف لبنان عن التعليق لدى سؤاله عما إذا كان سعيد يشير بتصريحاته إلى مؤسسة القرض الحسن. ويخلف سعيد الحاكم المؤقت وسيم منصوري الذي أشرف على البنك منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 2023، نتيجة للانهيار المالي واتهامات بالاختلاس، وهي اتهامات ينفيها سلامة. غارة إسرائيلية ذكرت تقارير رسمية أن غارة إسرائيلية أسفرت الجمعة عن مقتل مسؤول في حركة حماس في جنوبلبنان إلى جانب ابنه وابنته. وقالت الوكالة الوطنية للإعلام "أغارت مسيّرة معادية قرابة الثالثة والثلث فجراً، على شقة سكنية في حي الزهور خلف موقف مستشفى دلاعة في صيدا، محدثة انفجارين متتاليين ما أدى إلى اندلاع النيران فيها وإحداث أضرار جسيمة، وهرعت على الفور سيارات الأطفاء والإسعاف وعملت مع عدد من المواطنين الذين استفاقوا على هول وقع الاستهداف المعادي، على انتشال جثث 3 شهداء". وأضافت الوكالة "أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي القضاء على قيادي في حماس في الغارة التي نفّذها على صيدا في جنوبلبنان فجر الجمعة". وتابعت الوكالة "جاء في بيان لجيش الاحتلال بأنه قضى على حسن فرحات قائد القطاع الغربي التابع لحماس في لبنان في هجوم شنّه على صيدا. وقُتل فرحات مع ابنه وابنته في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت شقة سكنية في كبرى مدن جنوبلبنان، بحسب ما أفاد مصدر فلسطيني في وقت سابق" الرئيس جوزيف عون مجتمعًا إلى مورغان أورتاغوس (أ ف ب)