في كل زيارة للبيت الحرام، للعُمرة، أو الحج، أو حتى لمجرد الطواف، لا بدّ من أن يواجه الناسك قصة، أو شخصاً يعرفه لم يخطر له على بال أن يقابله هناك. وكذلك الحال في زيارة الحرم النبوي بالمدينةالمنورة. وأذكر أن جارنا قبل خمسين سنة في جدة، ذهب للحج ومعه زوجته، فلما عادا، أخذت الزوجة تقص على زوجها أنها زاملت حاجة صغيرة في السن، وجميلة، ولكن زوجها طلقها. سمع الزوج الكلام، وحصل على عنوان ولي أمرها، وخطبها، وتزوجها، لتكون رفيقة لزوجته الأولى. أقرب قصة قبل أقل من شهر، كنت أحد شهودها، ففيما كنت أسعى في الشوط قبل الأخير، سمعت وأنا في المروة شابين يتجادلان، أحدهما يقول: يجوز أو لا يجوز. فمن باب الفضول، سألتهما: ما هو الذي يجوز وما لا يجوز؟ قال أحدهما: يا أخي نحن جئنا من الرياض للعُمرة، وذهبنا إلى الميقات، وعدنا إلى مكة، لكننا من التعب، توجهنا إلى الفندق، ونمنا. فهل عمرتنا جائزة أم أن علينا أن نعتمر بعد العودة من الميقات مباشرة؟ فقلت لهما: جائزة طبعاً. فسأل أحدهما:هل علينا شيء بعد العمرة؟ قلت: طواف الوداع. قال: طواف بإيش؟ بالكعبة المشرفة؟ قلت وأستغفر الله: لا طواف بالفندق الذي نزلتم فيه. ثم ضحكت، وقلت: هل أنت بعقلك؟ فابتسم، ثم قال: لازم. قلت: ليس لازماً وإنما هو سنة. ولقد وفق الله الأستاذ أحمد محمد محمود، رئيس تحرير جريدة المدينة الأسبق، إلى سدّ ثغرة في الأدب العربي، حيث عكف منذ سنوات، على تعقُّب، وجمع رحلات الحج، لأكثر من مائة رحلة، لأدباء، وعلماء، ومؤرخين من المشارق والمغارب، ولخَّصها، ثم أصدرها في كتاب في نحو 20 مجلداً، بعنوان:" جمهرة الرحلات". هذا الكتاب، كنز من كنوز الأدب، والاجتماع، والتاريخ، وحتّى الفقه. كما أنه سجل لمسالك الحج في داخل الجزيرة العربية، وأماكن التزوُّد بالمياه على الطريق، سواء من العراق، أو من الشام، أو من اليمن. وكدليل على اهتمامه، فإنه اتصل بي قبل سنة، وطلب مني مسودة رحلة الشيخ أحمد بانافع -رحمه الله- الذي جاء للحج من شبوة باليمن. فاتصلت بابن المرحوم بانافع وحصلت على نسخة من المسودة وسلمتها للأستاذ أحمد. أهم شيء في المناسك: العلم، وإني لأذكر أني قبل ست سنوات، اعتمرت، وبعد الطواف والسعي، عدت إلى جدة، ولبست ثيابي العادية، ناسيا أني لم أقصر أو أحلق شعري، فسألت أحد طلبة العلم، فقال لي إن من لبس ثيابه ناسيا قبل الحلق أو التقصير، فليس عليه شيء؛ لأن لبس الثياب من الترفه، أما ما كان من التنزه مثل إزالة الشعر ولو شعرة واحدة، فعليه الفدية. قصّرت شعر رأسي، والمثل النجدي يقول: (خل بينك وبين النار مطوع)، وترجمتها: (من قلّد عالما، لقي الله سالما).