(أم عبد اللطيف) سيدة سعودية عرفتها حين كنت مديرة للتعليم الأهلي والأجنبي زوجة الأستاذ (عبدالله) أحد مستثمري التعليم الأهلي في مدينة الغيم والضباب (الطائف) عروس المصايف، فقد كانت تمثل زوجها في حضور الاجتماعات، ومنذ عرفتها، كانت تكن لي احتراماً وتقديراً كبيرين، كما كنت أكن لها ولجميع المستثمرين والمستثمرات وقتها، وكما كان الجميع يظهر لي ما كانت أم عبد اللطيف تظهره، ولست أشك في تقديرهم، ولم أجامل في تقديري لهم، فقد كانوا جميعاً نخبة طيبة، ومجموعة لازلت أذكرهم بخير، لكن كثيراً منهم انتهت العلاقة بهم مجرد ترجلي عن كرسي إدارة التعليم الأهلي والأجنبي، وهذا أمر طبيعي وسائد في زماننا هذا، فهناك علاقات مرتبطة بالكرسي، أو بالأحرى بالمنصب، وما تمليه المصلحة، تنتهي بانتهاء المنصب، ولا أنكر أن هناك بعض الزميلات حين نتواصل، أجدهن والحمد لله لازلن يعرفن من أنا، ويذكرن بعض المواقف التي لا تنسى، التي تشاركنا المناقحة فيها، والاجتهاد من أجلها، وتوثّقت علاقتنا خلال العمل، إنما أكثرهن بعد تركي للعمل تحولت تلك العلاقات للسطحية أكثر منها للعمق التي كانت عليه أثناء ارتباطات العمل، فقد تكون في المناسبات، أو لا تكون ليست بتلك الأهمية التي كانت عليها ! وهناك من قد ينسى كل ما كان من مواقف أو تأثير إيجاب ي أو غير ذلك من مودة! وكل ذلك غير مستغرب فهكذا هي الحياة، كم من مسؤولين ومسؤولات الآن هم طي النسيان للأسف، وكثير منهم يستحق الوفاء والذكر الحسن والتواصل الطيب. تستوقفني بعض المواقف، لكن ليس كثيراً، فهذه هي الحياة تحكمها المصالح عند الكثيرين للأسف، إلا (أم عبد اللطيف)، سيدة بوزنها ذهب، تحمل شهادات عليا في الحياة، ورقياً في التعامل، تركتُ العمل منذ سنوات، ولم أعد في المنصب الذي عرفتها من خلاله، ولازالت هي كما هي:نفس الترحيب، وذات التواصل، وذات الكلمات، التي تشعرني أنني لا زلت ليس فقط مديرةً للتعليم الأهلي فقط، بل أكثر من ذلك بكثير. (أم عبد اللطيف)، تواصلني، وتعلِّق على مقالاتي، وتتحدث معي باحترام فائق، وثقة مطلقة، وكأن مصالحها كلها بيدي بعد الله، تذكر كل كلمة، وكل موقف، وكل لقاء تحدثتُ فيه، تذكرني بمواقفي يوم كنت على رأس العمل تشهد في حقي شهادة أعتز بها جداً ، أذكرها يوم حفل توديعي الذي أقامته لي زميلاتي في إدارة التعليم الأهلي آنذاك، والذي حضره عدد من الزميلات وأهلي وصديقاتي وثلة من مستثمرات التعليم الأهلي وقتها، أذكر يومها لم تسعني الدنيا من السعادة من التفاف الأحبة والأوفياء حولي وكان من ضمن هؤلاء (أم عبد اللطيف) بتقديرها الجمّ، بحزنها أنني مودعة للميدان، أذكر كلماتها الصادقة، وأذكر كل الكلمات التي قيلت يومها، أذكر كلمة مدير عام التعليم وقتها الأستاذ سالم الزهراني -وفقه الله-، أذكر كل تفاصيل تلك الليلة الجميلة بجمال من أعدوا لها ونظموها، وانتهت تلك الليلة، وغبت عن إدارة التعليم وعن التعليم الأهلي كمسؤولة، وخرجت من تلك الليلة بأهلي وصديقاتي وبعض الزميلات في الإدارة وفي التعليم الأهلي، وأستطيع القول رغم السنوات، إلا أن أم عبد اللطيف السيدة اللطيفة الراقية في خلقها ووفائها، لازالت كما هي في تعاملها معي، لم تتغير أبداً. هذا النموذج الوفي، قليل في حياة الجميع، فكثيرون مجرد تركهم للمنصب، تتناقص أعداد الذين كانوا حولهم، وهكذا هناك من يرتبطون بالمنصب، وهناك من يرتبطون بالشخص. عموماً الوفاء سمة الأنقياء، الذين تجاوزوا حدّ المصلحة إلى الوفاء، وحفظ المودة. ليت كل الناس مثلك يا أم عبد اللطيف. ودمتم. (اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً).