سؤال إجابته أسرع منه على الأذهان ، فالتربية والتعليم وجهان لعملة واحدة ،هي بناء الفرد وتهيئته لحياة كريمة يخدم فيها دينه ووطنه ونفسه وأهله ، بإخلاص ووعي وعلم ودراية ، تتنوع بين الأفراد، ليكون كل فرد ، يشكِّل منفعة مختلفة ومطلوبة وهامة لمجتمعه ووطنه عموماً ، بل وربما للعالم بأسره. الأهل يبعثون بفلذات أكبادهم إلى المدارس منذ نعومة أظفارهم ، فما أن يبلغ الطفل الثالثة من عمره وربما أقل، إلا ويبحثون له عن مدرسة وليست أي مدرسة ،همهم وغايتهم المدرسة التي ترعاه تربوياً وتعليمياً، المدرسة التي تحتضن فلذات أكبادهم بشكل تكاملي ، غايتهم البحث عن مدرسة بها كوادر تربوية يمثلون القدوات لتربية نشء سليم صالح. كل الوطن وكل المسؤولين يرون في المدارس وأهل التربية والتعليم ، مصانع الرجال والأمهات الصالحات، لذا فقد كان منذ الأزل ، الحرص الشديد من الوالدين ، ومن المسؤولين عن التربية والتعليم في جميع دول العالم ، على حسن اختيار المربين والمربيات الذين يقضون معهم جلّ وقتهم ، فهل خمس أو ثماني ساعات من اليوم مع المعلمين والمعلمات أمراً يسيراً؟ كيف يُهدر دون تربية؟ إن الطلاب والطالبات يقضون في مدارسهم أكثر وقت صحوهم ونشاطهم، فهل يضيع دون جرعات تربوية في كل حصة تعليمية؟ وفي كل موقف ؟،وفي كل فرصة نشاط أو استراحة ومع كل وجبة غذائية؟ ألا تقوم المدارس بمحاكاة العديد من الأنشطة والمواقف الحياتية ،ليتعلّم الأطفال كيف يتصرفون بشكل صحيح؟ ألا تطبق في المدارس الحوارات والتخاطب بين الجميع تحت سقف المدرسة ، ليتعلّم الصغار كيف يتعاطون مع حياتهم ، ومع الآخرين ليتعلموا كيف يحلون مشكلاتهم؟ وهل يمكن للمجتمع أن يتحمّل طبيباً أو مهندساً أو حتى عالماً أو موظفاً أو مسؤولاً في أي مجال ، دون أخلاقيات ومعاملة حسنة تنتج عن تربية سليمة ودقيقة، ثم يأتي أحدهم أو إحداهن ممّن أكرمهم الله برسالة التعليم ، لكنهم للأسف يخطئون في حقها ،يأتي فيقول أو تقول : (أنا لست مسؤولاً عن تربية أبنائكم ، ربُّوهم أنتم ،أمّا مهمتي ، فتنحصر لأسقيهم المعلومات جافّة دون تربية ، ودون مراعاة لأي أسلوب تربوي.) هل يطمئن الوطن والأهل لمثل هؤلاء؟ يعني لو كان الطفل يقوم بسلوكيات سيئة ، وهو يقضي جلّ يومه مع معلمته التي لا تؤمن بدورها كمربية ، إذاً فهي لن تعبأ بذلك ولن يهمها هذا الطفل ولن تتابع مع أهله سلوكه لتتم معالجته. مأساة مؤلمة حين يعتقد المعلم أنه برئ من تربية تلاميذه ،فالمعلمون والمعلمات قدوات شاءوا أو أبوا ، مسؤولون أمام الله وأمام الوطن والمجتمع عن تربية الأجيال ، وعن أي فساد يأتيه بعضهم ، كما يدين لهم الجميع بحسن تربية الأجيال وتفوقهم وصلاحهم. التربية هي من رحم التعليم ،والعكس صحيح ، ولست هنا بصدد الغوص في مفهوم التربية ،وعلاقتها بالتعليم، ومسؤولية الوالدين والمدارس والمجتمع ووزارة التربية والتعليم حيالها ، فهذا مجال بحره واسع ودقيق، إنما حرّك هاجسي حولها ،إعتقاد معلمة تخاطب الأمهات ، وتؤكد لهم أنها غير مسؤولة عن تربية أبنائهم، وأن مسؤوليتها كمعلمة، تقتصر على إعطائهم المعلومات. صحيح أن التربية تبدأ والفرد جنيناً ، وتستمر في بيته حتى ثلاث سنوات على الأغلب ، ويعتبر الأهل مسؤولون عن تربية وتوجيه أبنائهم حتى يصلوا لسن الرُشد ، لكن هذا لا يعني أن مسؤوليتهم حيال تربية أبنائهم فردية لا علاقة للمدرسة بها ، بل تتحمل المدارس عبء التربية أكثر مما يتحمله الأهل، فكم من ناشئ ذي تربية حسنة ،إكتسب عادات وطباع سيئة من المدرسة ،وكم من طالب وطالبة تربيا تربية سيئة ، عدّلتهما المدارس وهذّبت سلوكهما، حتّى أنهما أثَّرا على أهليهما. دور المعلم والمعلمة في التربية عظيم أجلّه الله ورسوله ، واعتبرا في مصاف الرسل والأنبياء لعظم دورهما وجميل أثرهما ، وقد قال رسولنا عن نفسه : (إنما بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق)، ويتواصل الدور مع معلمي الناس الخير، ورثة الأنبياء المعلمون والمعلمات ليعلِّموا ويؤدِّبوا ويتمِّموا مكارم الأخلاق ودمتم.