الهيستيريا التي اعترت الصهاينة ومعهم دول الغرب بكل ترسانتهم العسكرية في البر والبحر والجو في حربهم الظالمة ضدّ أهل غزة وقتلهم النساء والأطفال بكل خسّة وحيوانية وتدمير كل شيء أمامهم ، يعكس حقيقة واحدة وهي: الخوف الكبير من اليوم الأسود الذي ينتظرونه وهو الزوال أونهاية إسرائيل المحتومة التي يخافون منها. هناك إحساس عميق بالهلع والخوف لا يمكن تجاهله لدى هؤلاء الصهاينة في حربهم ضد الفلسطينيين في غزّة وإلا كيف نفسّر كل هذه الجرائم التي يرتكبونها إلى الدرجة التي يخاف فيها الأطباء من التحرّك في ممرات مستشفى الشفاء بسبب أنهم قد يتعرّضون لإطلاق النار من الجنود الصهاينة الذين احتلّوا المستشفى ويفزعهم أي شيء يتحرّك. وصف عبد الوهاب المسيري، المتخصّص في قراءة السلوك الصهيوني، ما نشاهده في غزة الآن كما يلي:" المستوطن الصهيوني في حالة خوف وفزع دائم إزاء ما أسمّيه الهاجس الأمني لأنه يعرف في أعماقه أنه سلب الأرض، ويعرف أن السكان الأصليين متربّصون به، ويعرف أن هؤلاء السكّان في يوم من الأيام سينهضون ضدّه؛ وبالتالي هو دائماً في حالة خوف. وهذا الخوف لا يولّد الفرار أول الأمر، وإنما يولّد الوحشية. عندما تخاف من شيء فأنت تحاول القضاء عليه، وعندما تكتشف في نهاية الأمر أن القضاء عليه مستحيل فحينئذ تولّي الأدبار." انتهى كلام المسيري الذي توفّي في 2008 م لكنه كان قادراً على إدراك قراءة المشهد الذي نراه في غزة الآن حيث الهلع الكبير الذي يعتري هؤلاء اللصوص بدءاً من وجه النتن ياهو و مروراً بوزير دفاعه وانتهاءً بجنوده الذين يعيشون ذروة الخوف والهلع من أي شبح يتحرّك في قطاع غزة. تصريح النتن ياهو بأنه لن يترك غزّة لسلطة يرأسها شخص لم يشجب ويستنكر ما حصل في السابع من أكتوبر حتى الآن، وهو يقصد بذلك محمود عبّاس، لكنه لا ينتظر منه أن يشجب ويستنكر ما يفعله العدو الصهيوني في الأربعين يوماً التي تلت السابع من أكتوبر. وحتى على افتراض أن الصهاينة يريدون احتلال غزة كما صرّحوا بذلك علناً وهذا ما نشاهده الآن ويحدث في الواقع ، فإن هذا لن يشفع للصهاينة بحل أزمة الهاجس الأمني الذي تحدّث المسيري عنه، وسيظل الخوف والهلع مصاحباً لكل صهيوني يسكن في فلسطين. بل إن هذا بدا واضحاً ويمكن قراءته الآن أكثر من أي وقت مضى إذ تمتلئ الصحف الغربية برغبة البعض منهم بمغادرة هذا المكان والعودة إلى أوروبا وأمريكا وهما المكانان اللذان جاؤوا منهما أول الأمر ومازالوا يحتفظون بأمكنتهم السابقة فيهما. بل إن وزير الخارجية الأمريكية بلنكن نفسه قد صرّح عندما زار تل أبيب لأول مرة بعد السابع من أكتوبر بأنه جاء لنصرة إسرائيل كيهودي قبل أن يكون أمريكياً. الوحشية التي يرتكبها الصهاينة الآن في غزة تعني في الواقع أن حلم الأمن والأمان في إسرائيل أصبح أبعد من أي وقت مضى.