هل سبق أن مررت بموقف تكون فيه بين أمرين أو مجموعتين ولا تدرك أنك تقف في مكان الحَكم دون أن تملك أدوات التحكيم؟ قد تمرّ بتلك المواقف دون أن تشعر، خاصةً لو كان التحّكيم على عارض بسيط، كخلاف الجلوس في المقاعد الأمامية، أو اختلاف طفلين على قلم رصاص، أو حتّى الجدل بين سيدتين في تأكيد من منهما الأكبر؟ في نهاية الأمر لا يحتمل الموضوع خسارة فادحة إلا لو تعدّت القصة الحوار الكلامي وبدأ تبادل الكلمات ثم استخدام الأيدي، في تلك الحالة فقط ،يتوجّب تدخُّل أصحاب الخبرة لفضّ النزاع ومعاقبة المخطئ. الأمر ليس بهذه البساطة، ولا يحتمل الكوميديا السوداء كما هو الأمر دائماً، فهناك صراعات باردة تجد نفسك مقحماً فيها ولا تعرف التصرف الصحيح حيالها فهي على الجانبيْن تحتمل الصواب والخطأ. باختصار عُرض عليّ من بعض معارف المهنة ،أن أحلِّل موقفاً مرّ بهم مع أحد الزملاء، وفي نفس التوقيت ودون علم تلك المجموعة إعُرض الأمر نفسه على الجانب الآخر من ذلك الزميل ومؤيديه، في اعتقادي موقف كهذا ،حتّى قوانين المحاماة تتعارض معه، فلا يمكن أن يكون محامي المدعي هو نفسه محامي الخصم وإلا لما وجدنا هذا الكم الهائل من مكاتب المحاميين تنتشر انتشار النار في الهشيم -لا يزعلوا علينا إخواننا المحاميين-. لنعود للحدث، فقد وجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه، وكنت أتمنى لو أنني أستطيع أن أجمع الجهتيْن في مكان واحد، ثم نقوم بجلسة صُلح كما يفعل زملاؤنا في لجنة إصلاح ذات البين، على الرغم من أن أولئك أيضاً لم يصلوا في غالب الأحوال لهدف الصلح، لتعود القضايا إلى مكاتب المحامين من جديد. في الواقع ،صعوبة أن تكون حكماً ،لا تكمن في إصدار الأحكام فقط ،بل تتعدّاها إلى كونك لا تعلم جميع ملابسات الأمور، ومهما حاولت التقصّي ،تكون في النهاية على هامش المعلومة، السبب ليس قلّة طرق التفتيش والتقصّي ،بل لأن الحالة التي تتحدث عنها، هي حالة إنسانية لا يستطيع القضاء أن يبتّ فيها، وسيكتفي بما لدية من دلائل ووقائع وأحداث فقط، فليس له علاقة لا بالحالة المزاجية ولا بجهل أحد الأطراف بدهاليز الأدلة، فيتحول الموضوع من عدالة إنسانية إلى عدالة قضاء يكون فيها القانون لا يحمي المغفلين كما يقولون، وما أكثر المغفلين والغفلة أمر غير مستحب أن يتصف بها، إنما هي حاصلة سواءً رضينا أم أبينا. يبقى أمر أخير: فكلا الطرفين في انتظار إنصافهما من قبلك ولتنصفهما عليك أن ترجّح بين الحق و السلامة وتلك الدفتيْن لا تلتقيان في أغلب الأحيان لذا يكون الإنسحاب أسلم، لأنك إن "عافرّت" وأخذتك "النّشامة" ستفقد أحد الأطراف وأنت لا ناقة لك ولا جمل فقط كنت ترغب في القيام بدور حمامة السلام التي صادها طفل يحمل " نُبّيلة "حين سعيها بينهما.