يرى خبراء جغرافية السكان ،أن الشكل الصحي للهرم السكاني في المجتمع البشري ،يرتكز في أساسه على قاعدة عريضة تمثِّل صغار السن من الأطفال من سن الولادة إلى سن العمل ويليه في ذلك سن متوسطي الأعمار ،ويمثلون القوة الحقيقية المنتجة ،وفي قمة الهرم ، حيث تأتي فئة المسنين والمتقاعدين والذين يمثِِّلون الأقلية في المجتمع نظراً لارتفاع معدّل الإخصاب ،ولكن نلاحظ أن أوروبا اليوم تعاني من انخفاض ملحوظ في نسبة الإخصاب تجعل شكل الهرم السكاني بها مقلوباً حيث تكون القاعدة فيه مدبّبة ويتسع الضلع العلوي في الهرم للفئة الأكثر في المجتمع ،وهم كبار السن والمتقاعدين ،وبهذا يعتبر الجغرافيون أنه هرم سكاني مقلوب، كما يعتبرون هذه الظاهرة غير صحية لمستقبل المجتمع الذي يزيد فيه كبار السن عن المواليد ممّا يسبّب إرهاقاً متزايداً على الميزانيات الحكومية لتوفير الرعاية المستمرة لهذه الفئة غير المنتجة. وإذا أخذنا الحالة الإقتصادية الأكبر في أوروبا ، وهي الإقتصاد الألماني اليوم ،نرى أن الأمر لم يعد وقفاً على زيادة شريحة كبار السن في المجتمع، بل ظهور العديد من الضغوط المؤثرة . فنجد أن ألمانيا تتجه إلى تعديل توقعاتها بخصوص الناتج المحلي الإجمالي للعام الجاري 2023م، الشهر المقبل، إلى "الانكماش"، مقابل تقديرات سابقة كانت تشير إلى "النمو البطئ". يضئ ذلك التعديل المتوقع على جوانب من حجم الضغوطات التي يواجهها أكبراقتصاد في أوروبا، نتيجة عديد من العوامل المتزامنة، من بينها تبعات الحرب في أوكرانيا، وهي العوامل التي أثّرت على أداء قطاعات رئيسية، وعلى رأسها القطاع الصناعي في البلاد الذي يعدّ قاطرة اقتصاد برلين. يأتي ذلك تزامناً مع ما يواجهه الاقتصاد الألماني من ضعف في الصادرات من الصين مع تراجع الطلب، علاوة على المشكلات المرتبطة بالعمالة الماهرة، وحتى أزمة الطاقة التي تلقي بظلال وخيمة على الصناعة الألمانية ،جنباً إلى جنب الضغوط التضخمية التي تواجهها البلاد. يمكن القول إنه بعد هيمنة أوروبا لعقود عديدة على صناعة السيارات ،بفضل قدرتها الكبيرة ،والتنافسية في بناء محرِّكات الإحتراق، تأتي التقنيات الرقمية لتغير مستقبل صناعة السيارات كلياً، باعتمادها على المحرِّكات الكهربائية، ماعرّض القارة العجوز لمنافسة شركات صناعة السيارات الصينية. لكن يبقى السؤال الأهم، والذي بات يتردّد في أسواق العالم :هل أصبحت صناعة السيارات الأوروبية في خطر؟ أو بمعنى أدقّ: هل تستطيع أوروبا اللحاق بالصين في مجال رقمنة السيارات ، أم أن "البطاريات" ستفقد أوروبا أمجادها في هذه الصناعة لصالح التنين الصيني؟ جانب من الإجابة على هذا التساؤل ،جاء من أكبر شركات تصّنيع السيارات في أوروبا والتي أبدى رؤساؤها التنفيذيون في تصريحات صحفية أخيراً قلقاً عميقاً من التهديد التنافسي الذي تشكّله الشركات الصينية الجديدة، مع تحرك صناعة السيارات نحوالكهرباء. كأنما توقعات الخبراء تزيد من قلق أوروبا على مستقبلها إجتماعياً واقتصادياً ، وهذان العاملان الرئيسيان هما اللذان يقودان أوروبا الى المجهول.