فيما تلقى السعوديون أمس نبأ وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، قفز على الفور سؤال في أذهانهم، كيف ستكمل بلادهم المسيرة؟ وهو سؤال مهم ومطروح على الأصعدة كافة، في ظل المتغيرات والتحديات الداخلية والتحولات الإقليمية والدولية التي يشهدها عصرنا الحاضر. للوهلة الأولى ربما يجد البعض أنفسهم محاطين بارتياح تام فأسعار النفط القياسية وأثرها على الإيرادات عنصر أساس للتفاؤل بالمستقبل المشرق، لكنهم في المقابل أمام حقائق تجعلهم يعيدون النظر قليلاً في الشعور بالارتياح، ويمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الدخل النفطي:"صحيح أن أسعار النفط تعتبر قياسية، لكن القوة الشرائية لإيرادات النفط تراجعت مع السنين بفعل الأثر المزدوج لتراجع الدولار والتضخم العالمي". ثانياً: دخل الفرد:"يشهد المجتمع السعودي زيادة كبيرة في السكان ونمواً يعتبر من المعدلات الأعلى وفق القياسات العالمية، وتشير التقديرات الرسمية إلى أن إجمالي السكان سيصل إلى40 مليوناً في العام 2020م. وهذه الزيادة الهائلة تفرض النظر عند قياس الموارد السعودية ليس إلى الدخل الوطني بالقيمة المطلقة بل إلى الدخل الوطني بالفرد". ثالثاً: الهرم السكاني:"إن الهرم السكاني يتسم بقاعدة عريضة جداً من الفئات الشابة غير المنتجة"نحو 50 في المئة من السعوديين هم دون سن الخامسة عشرة من العمر"، وهذا يعني أن القسم الأكبر من السكان لا ينتج بل يطرح مطالب تتزايد باستمرار وتضغط على بنود الإنفاق الحكومي". رابعاً: الحاجات والمتطلبات:"وهي تزداد نمواً خصوصاً على صعيد صيانة البنى الأساسية التي تم تشييدها في أعوام البحبوحة النسبية، إضافة إلى توسعة أو تحديث القائم منها، وهذه الحاجات ستزيد مع التطور التقني والتقدم الطبيعي، وليس سراً أن قسماً كبيراً من موارد الموازنة يذهب إلى هذا النوع من أوجه الإنفاق". إذن واقعياً ومن دون مواربة، فإن التساؤل السابق الذي يطرحه"السعوديون لا تبدو الإجابة عنه سهلة؟". لكن ما يمكن قوله هنا، إن السعوديين سيكملون مسيرتهم وفق دعائم وأسس اقتصادية أرساها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز طوال عهده وعمل جاهداً على تكريسها، وهي خطوات توصف بأنها"جريئة"ركزت على خفض الإنفاق الحكومي وإدخال عقلية الترشيد والفعالية إلى نواحي الإدارة الاقتصادية كافة في القطاعين العام والخاص. وتبعاً لذلك، تعوّد قطاع كبير من السعوديين على أن"القرش الحلال"صعب في كل مكان، وأن السعودية ليست استثناءً في هذا المجال. ورأينا كيف تعوّد المواطن على إجراء حسابات أكثر دقة واكتشف مزيد منهم الأهمية الخاصة للاحتفاظ في كل الأوقات بمعدلات سيولة كافية واحتياط نقدي، فضلاً عن ذلك تنويع قاعدة الأعمال. ولا يكون مديحاً حينما نذهب إلى القول إن خادم الحرمين الشريفين كان يعي أهمية ترسيخ هذا النهج في وجه الضغوط التي ربما تتجدد لبسط اليد عند أول بارقة تحسن ملموس في أسعار النفط. وهذه الضغوط موجودة وتتجمع كلها على أبواب وزارة المال وفي أروقتها كل عام خصوصاً أوقات إعداد الموازنة. وبعض المطالب في كثير من الأحيان يكون مبرراً ومن نوع الحاجات التي تهدف أي موازنة إلى تلبيتها. لكن المسألة في النهاية ستبقى مسألة أولويات، مسألة مصلحة البلد العليا في المدى الطويل، وليس الأمر مجرد ترتيب إنفاق الفائض في الإيرادات! بيد أنه لا جدال على أن المستقبل سيحفل بالفرص والتحديات التي سترسم طبيعة الاقتصاد السعودي ومدة قدرته على تحقيق الأهداف والتطلعات الوطنية التي رسمتها لها قيادته ونحن على أبواب خطة التنمية الثامنة 2005-2009م. وتتلخص هذه التحديات في عدد من المحاور الرئيسة: أولاً:"استمرار سياسة التنويع الاقتصادي وخفض الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل". ثانياً:"تطوير الموارد البشرية وتوفير فرص عمل كافية للسعوديين الذين سينزلون إلى سوق العمل بأعداد متزايدة خلال الأعوام المقبلة". ثالثاً:"زيادة إسهام القطاع الخاص في التنمية باعتباره حجر الزاوية في جهود التنويع". هذه القضايا والمحاور تنطوي على هدف أساس واحد، وهو الانتقال من"التنمية الكمية"إلى"التنمية النوعية"التي تعطي للاقتصاد مكامن قوة جديدة وركائز أكثر استقراراً في المستقبل. تجربة النموذج السعودي إن تجربة النموذج السعودي في التنمية التي قاد مسيرتها خادم الحرمين الشريفين تبدو فريدة من نوعها، ففي غضون عقود ثلاثة من الزمن تحولت السعودية إلى مجتمع حديث يتمتع بأعلى مستويات الرفاهية، وخلال تلك الفترة أنصبت جهود التنمية على بناء وإنشاء البنية الأساسية والمرافق ووضع الهياكل والأطر التنظيمية للمجتمع والاقتصاد، وتم استثمار إيرادات النفط في برامج إنشائية ضخمة، جعلت من السعودية ورشة عمل نادراً ما يشهد العالم مثيلاً لها. إلا أن التقلبات الحادة التي مرت بها أسواق النفط خلال عقد الثمانينيات والربع الأخير من التسعينيات أثرت على هبوط الإيرادات وما انعكس أخيراً على الإنفاق الحكومي، والذي كان ولا يزال المحرك الفعلي للنمو الاقتصادي، فكانت تجربة الركود التي أدت بدورها إلى اختلال مؤقت في مسيرة التنمية، وبما أجبر الحكومة والفعاليات الاقتصادية على التأقلم مع المعطيات المالية الجديدة. وعلى رغم حدة الانكماش الاقتصادي وآثاره السلبية على عدد من القطاعات والاضطرابات التي أحدثها في مسار التنمية، فإن الاقتصاد السعودي نجح في تخطي هذه المرحلة واستعاد منحى النمو الإيجابي، مع الإشارة إلى بروز مشكلة عجز الموازنة والحساب الجاري. كانت هذه التجربة صعبة، وكانت الدافع الأساسي وراء تبني إستراتيجية التنويع الاقتصادي وترشيد الإنفاق وتطوير بنية اقتصادية أكثر تنافسية وكفاءة وقدرة. على أنه ينبغي الإشارة إلى أن مستقبل التنمية ونتاجها على الأمد البعيد يعتمدان على مدى توافر الموارد البشرية المدربة ذات المهارة العالية التي تفي باحتياجات الاقتصاد في مراحله المختلفة. ومن هنا تكتسب مسألة إعداد وتطوير الكوادر الوطنية أهمية بالغة جداً في المرحلة المقبلة، فحسب توقعات خطة التنمية السابعة التي انتهت العام الماضي، هذا العام، فإن إجمالي السعوديين الذين سيلتحقون بسوق العمل خلال سنوات الخطة يبلغ 817 ألف عامل منهم 88 في المئة من الذكور والبقية من الإناث. وتشير الخطة إلى أن نظم التعليم والتدريب ستوفر 93 في المئة من هذه القوة العاملة الجديدة. لكن بطبيعة الحال، ومع غياب الأرقام الحقيقية المفترض أن تعلن بنهاية الخطة 20002004م، فإن هذه المسألة ستظل غير مسهلة وربما معقدة نظراً لوجود عدد من المعوقات الأزلية من أبرزها: أولاً:"استمرار تردد القطاع الخاص في توظيف السعوديين بالأعداد المطلوبة على خلفية التفاوت الكبير في الأجور والمرتبات التي يتوقعها السعوديون والتي يحصل عليها الوافدون. وحتى مع اقتراح"الحد الأدنى للأجور"، فإن هذه المشكلة ستبقى قائمة، فالعمالة الوافدة"الرخيصة"توفر للشركات والمؤسسات مزايا نسبية ربما تؤدي غيابها إلى التأثير على قدرة هذه الشركات والمؤسسات على منافسة المنتجات الأجنبية والتصدير إلى الخارج". ثانياً:"لا يزال قطاع عريض من الخريجين يفضلون الوظائف الحكومية والإدارية على حساب وظائف القطاعات الإنتاجية الرئيسة في القطاع الخاص وتحديداً في"الصناعة"ربما لاعتبارات"ثقافية"و"اجتماعية". ثالثاً:"ثمة اختلال كبير وعدم توافق بين مؤهلات الخريجين ومتطلبات سوق العمل. ويعزى ذلك إلى عدم تلاؤم نظم التعليم والإعداد والتدريب المهني مع الحاجات المتوقعة للقطاع الخاص المعول عليه أن يوفر العدد الأعظم من الوظائف لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل". التعامل بجدية وحزم وهكذا فإن كل هذه المسائل تتطلب التعامل معها بجدية وحزم من حيث إدخال بعض التعديلات الجوهرية على نظم التعليم والتدريب وقوانين العمل والتوظيف، ووضع أهداف"معقولة"و"منطقية"لتوطين الوظائف. علماً أنه في اقتصاد حر مثل الاقتصاد السعودي سيتطلب الأمر إشراك القطاع الخاص في المزيد من النشاطات الاقتصادية، وتحفيز الموارد وتحريكها نحو الاستخدامات التي تخدم أهداف التنمية وتؤدي بالتالي إلى توليد مناخ قابل للاستمرار على المدى البعيد، وسيكون ذلك مرتبطاً بالمناخ الاقتصادي العام وتوافر فرص الاستثمار المجدية، وتطوير سوق المال التي تساعد على انسياب رؤوس الأموال الوطنية ضمن أقنية فعالة تربط بين أصحاب الأموال وفرص الاستثمار المحلي، فحتى الآن تفتقر السوق السعودية إلى الأدوات المالية البسيطة والمتوسط وطويلة الأجل والقابلة للتداول وإلى مؤسسات الوساطة المالية. ونظراً لأهمية التقنية الحديثة في الارتقاء بالاقتصاد إلى التنوع، فإن تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية يتطلب مزيداً من تشجيع الاستثمار الأجنبي، الذي يعتبر القناة الرئيسة لنقل هذه التقنيات والخبرات الإدارية والفنية والتسويقية المطلوبة لتعزيز الإنتاجية والمزايا التنافسية للاقتصاد ولفتح الباب أمام مجالات كثيرة. ولا ينبغي الاكتفاء والركون إلى إصدار نظام الاستثمار الأجنبي والهيئة العامة للاستثمار، ونقف مكتوفي الأيدي أمام"قائمة الأنشطة المحظورة"، بل يجب استخدام وسائل"الترصد"و"اصطياد"المستثمرين الأجانب كافة، ففي ظل العولمة الاقتصادية وقرب اقتحام بوابة منظمة التجارة العالمية الحدود جميعها، أصبح رأس المال لا وطن له سوى الحوافز والتسهيلات. والواقع أنه في بداية فترة الركود لم يكن القطاع الخاص مهيأً لمثل هذا الدور، كما أن الظروف لم تكن مناسبة والرؤية لم تكن واضحة حول كيفية الانتقال من"اقتصاد الطفرة"الذي كان يعتمد على الإنفاق الحكومي بشكل شبه كلي إلى"اقتصاد أكثر توازناً"من حيث الدور الذي يلعبه القطاعان الحكومي والخاص. ولا جدال على أن تجربة"التأقلم"و"التكيف"التي عاشها القطاع الخاص طوال الحقبة الماضية أسهمت في بروز مؤسسات أكثر فعالية وتنافسية ومرونة وذات خبرات إدارية وتسويقية وإنتاجية أوسع وأعمق. وكانت هذه التجربة بمثابة"امتحان"للمؤسسات، فذهب الضعيف بينها وبقي القوي. ولا شك هنا أن الإقبال الملحوظ على المشاريع الإنتاجية والاستثمار المحلي عكس رغبة متزايدة من القطاع الخاص على الاضطلاع بمهمات أكبر في الاقتصاد. واقع لا يمكن تغييره والاتفاق السائد حالياً أن الاقتصاد السعودي لا يزال عرضة لتقلبات أسعار النفط، وهذا واقع لا ينتظر أحد تغيره، ومن هنا فإن تنويع القاعدة الإنتاجية المتبقية من العقد الحالي، يشكل التحدي الأكبر الذي يواجهه السعوديون، والنجاح في هذا المضمار سيمثل قفزة نوعية تمهد الطريق أمام تحولات أساسية في طبيعة الاقتصاد وآفاقه المستقبلية. بيد أن التنويع، على رغم أهميته لا يعني بطبيعة الحال أن أهمية النفط كركيزة أساسية للاقتصاد، سوف تتلاشى وتتضاءل، فالموارد النفطية ستبقى القوة الدافعة الرئيسة للنمو، طالما حافظ النفط على دوره كأحد المصادر الرئيسة للطاقة في العالم. وستبقى إيرادات النفط المورد الرئيس لتمويل المشاريع والاستثمارات المطلوبة، لدعم القطاعات الاقتصادية غير النفطية ورفع اسهاماتها في إجمالي الناتج المحلي. ومنذ أن بدأت أسعار النفط في الانخفاض زادت المطالب بتوسيع دور القطاع الخاص في التنمية وأخذ مبادرته في الاسهام في عجلة الاقتصاد، وفتح مجالات جديدة للاستثمار لا تعتمد على الإنفاق الحكومي. واستندت تلك المطالب على فرضيات عدة من أهمها، أن القطاع الخاص يمتلك موارد مالية ضخمة مستثمرة في الخارج نظراً إلى محدودية فرص الاستثمار المحلي، ومناخ اقتصادي أقل ما يوصف أنه"قلق"خصوصاً في حقبة الثمانينات ومطلع التسعينات كرد فعل لحربي الخليج الأولى والثانية. إن تحقيق أهداف التنمية يعتمد أيضاً على توفير البنية الاقتصادية والاجتماعية والمالية، ومن هذا الجانب فإن خفض عجز خزانة الدولة والدين المحلي وإعادة التوازن إلى الموازنة، يحتل مركزاً متقدماً في سلم الأولويات الحكومية، حتى لا تتحول هذه الظاهرة التي أفرزتها فترة"التكيف الاقتصادي"في النصف الثاني من الثمانينات إلى عقبة مستقبلية أمام التوسع والنمو. وهنا أيضاً لا يمكن إغفال أهمية الاستقرار السياسي والاجتماعي في خلق المناخ المحفز للنمو والتقدم، فعلى رغم التغيرات السريعة والأحداث المتلاحقة التي شهدتها السعودية خلال الفترة القصيرة الماضية من حوادث الإرهاب وإرهاصات أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر، تمكنت القيادة السعودية بحكمتها المعهودة وأسلوبها الرزين والمتوازن من تجاوز الانعكاسات السلبية الناتجة من تلك الظروف، وهذا ما يتوقع استمراره في المستقبل. مزايا وإيجابيات وأمام هذه التحديات تسير السعودية مسلحة بالكثير من المزايا والإيجابيات التي قلما تتوافر لبلد نام آخر ومنها: أولاً:"امتلاك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وهي من أكبر منتجي النفط حالياً وأكثرهم مرونة من حيث طاقة الإنتاج، ما يمكّنها من لعب دور مهم ومتزايد في استقرار السوق العالمية، ويعطيها القدرة على الاستفادة من أي زيادة في الطلب. وغني عن الإشارة هنا إلى أن السعودية تعد الركيزة الأساس والقوة الأكثر تأثيراً في منظمة الدول المصدرة للنفط"أوبك". ثانياً:"تلعب السعودية دوراً إقليمياً على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وتعزز هذا الدور مرات عدة خصوصاً إبان حروب الخليج الثلاثة، وعلى رغم تحملها ضخامة أعباء ذلك الدور، فإن السعودية لا تزال تمتلك أكبر اقتصاديات المنطقة حجماً وأغناها مالياً وأكثرها إمكاناً للنمو. ما يعزز موقعها في التعامل مع الدول الأخرى النامية والمتقدمة والصناعية، وتلعب هذه المعطيات دوراً مهماً في إيجاد منافذ متزايدة للمنتجات السعودية في الأسواق الخارجية". ثالثاً:"تمتلك السعودية ثروات معدنية هائلة غير مستغلة، وتشمل مواد مثل الذهب، والفضة، والزنك، والنحاس، والحديد، والفوسفات، والبوتاسيوم، والبوكسايت ومع صدور نظام الاستثمار الجديد في التعدين يجري العمل حاليًا على فتح المجال أمام القطاع الخاص لتطوير استغلال الخامات، ما يسهم في جهود التنويع عبر تحقيق إيرادات إضافية للحكومة وزيادة الصادرات، وتطوير قطاع تصنيع جديد واجتذاب موارد مالية محلية وأجنبية". رابعاً:"يشهد الاقتصاد السعودي حالياً ومنذ سنوات عدة فترة توسع ونمو مرشحة للاستمرار سنوات عدة، ويرافق هذا التوسع الناتج من الاستثمارات الإنتاجية طويلة الأجل من جانب الاستثمارات الأجنبية المتوقع تدفقها بعد سلسلة من الإجراءات والتشريعات والأنظمة، إضافة إلى استمرار عودة رؤوس الأموال من الخارج، مع تطور ملحوظ في السوق المالية وفعالية الجهاز المصرفي. وهذا ما يوفر أخيراً أرضية ملائمة لاتساع دور القطاع الخاص في التنمية وتحفيز رؤوس الأموال التي يمتلكها للاستثمار في الداخل". خامساً:"على رغم اختلال في سوق العمل وعدم فعالية نظم التدريب في توفير حاجة الاقتصاد من الخريجين وأصحاب المهارات، فإن بدء نشاط صندوق الموارد البشرية والتوظيفات التي قام بها القطاع الخاص والحكومة أيضاً، سيعطيان مردوداً متزايداً في المستقبل ويوفران للاقتصاد أحد أهم عناصر القوة المطلوبة لتحقيق التحول النوعي المرجو في مسار التنمية". إن الاستثمار في المستقبل، كان ولا يزال هو العنوان السعودي الدائم منذ قيام هذه الدولة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز وتعاقب أبنائه من بعده وحكوماتهم. ومن عنوان الاستثمار, استثمرت الدولة في البنية التحتية والعلوية, وتنمية الأنشطة الاقتصادية المنتجة من زراعة وصناعة. ولم يقف الاستثمار داخلياً، بل تعداه إلى خارج الحدود، إذ تبنت التكتل الخليجي ودعمت العربي والإسلامي والدولي من خلال دعم برامج وصناديق التنمية الاجتماعية والحضارية والإنسانية. وليس جدلاً من كل ما تقدم، أن السعودية لم تكن في يوم من الأيام بلداً منعزلاً ومنطوياً على ذاته، بل كانت دولة تنطلق إلى الآفاق الرحبة وتخرج من الدوائر المغلقة والمحيط الصغير. ومن المنطقي الإشارة هنا إلى أن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، كرست أنها دولة تدرك أهمية الاستقرار بكل ما تعنيه الكلمة، كأساس للنمو الاقتصادي، ولذا أخذت على عاتقها ألا تتخلى عن مسؤولياتها في جميع المجالات. ولا يمكن لأي أحد أن يتجاوز حقائق الموقع السعودي في قلب الأمة الإسلامية ومسؤوليتها في خدمة وسدنة الحرمين الشريفين, بإنفاق ما يزيد على 70 بليون ريال في عمارة الحرمين الشريفين. ولعل من المناسب الإشارة هنا إلى أنه وإن كانت الدولة السعودية نجحت في جمع شمل نسيج قبائل الجزيرة العربية، فهي أيضاً نجحت في إثبات أن الصحارى الجرداء في ظاهرها هي منبع خير.