يقوم تقرير الآفاق الاقتصادية للعالم -الذي يصدر مرتين سنويا- بتحليل الوضع الاقتصادي العالمي القائم ويرصد توقعاته للسنة التالية للتقرير. وأشار التقرير إلى أن المخاطر المحيطة بالاقتصاد العالمي تسير في اتجاه هبوطي ثابت، وتتركز حول المخاوف من التوترات في الأسواق المالية والتي مكن أن تؤدي إلى تعميق التباطؤ الاقتصادي العالمي وزيادة حدته. ومن المخاطر الأخرى التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي ضغوط التضخم المحتملة، وتقلب أسواق النفط، إلى جانب تأثير تدفقات النقد الأجنبي الداخلة القوية على الأسواق الصاعدة، كما أن هناك قضايا أطول أجلا تشكل مصدرا للقلق مثل شيخوخة السكان، وتزايد مقاومة العولمة، وظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. وقد رصد التقرير بشكل تفصيلي في فصليه الأول والثاني المؤشرات العامة للاقتصاد من معدلات للتضخم، وأحوال الأسواق المالية وسعر العملات وغيرها. فقد ظل التضخم قيد السيطرة في الاقتصادات المتقدمة، ولكنه ارتفع في العديد من بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، والتي ازدادت فيها الضغوط التضخمية كنتيجة لقوة النمو وزيادة الوزن الترجيحي لأسعار الأغذية الآخذة في الارتفاع ضمن مؤشرات أسعار المستهلكين في هذه البلدان. ويأتي الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية إلى الضغوط التي نشأت عن تزايد استخدام الذرة وغيرها من المواد الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي وسوء الأحوال الجوية في بعض البلدان. وظلت أسعار النفط والسلع الأساسية الأخرى على ارتفاعها الناتج عن قوة الطلب. وأصبحت الأسواق المالية في تقلب متزايد، فكما يرد بالتحليل في تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر في أكتوبر 2007، أصبحت أوضاع الائتمان أكثر حدة مع تزايد المخاوف من تداعيات الضغوط في الأسواق الأمريكية للقروض العقارية منخفضة الجودة وعليه فقد نضبت السيولة في بعض قطاعات الأسواق المالية. وقد تراجعت أسواق الأسهم مبدئيا، لا سيما مع انخفاض تقييمات المؤسسات المالية، وإن كانت الأسعار قد عاودت الارتفاع منذ ذلك الحين وانخفض العائد على السندات الحكومية طويلة الأجل مع بحث المستثمرين عن ملاذات آمنة. وتأثرت الأسواق الصاعدة أيضا، وإن كان بدرجة أقل نسبيا مما حدث في فترات الاضطراب السابقة في الأسواق المالية العالمية، ولا تزال أسعار الأصول مرتفعة بالمقاييس التاريخية. وعمومًا، ظلت قيم العملات الأساسية متسقة مع الاتجاه العام المشاهد في مطلع عام 2006، فقد واصل الدولار الأمريكي انخفاضه، وإن كانت التقديرات تشير إلى استمرار قيمته الفعلية الحقيقية أعلى من مستواها الأساسي في المدى المتوسط. وارتفع سعر اليورو وإن ظل تداوله في حدود تتسق عموما مع أساسيات الاقتصاد. وعاد الين الياباني إلى الارتفاع بقوة في الشهور الأخيرة، وإن ظل أقل من قيمته الصحيحة في ضوء الأساسيات الاقتصادية متوسطة الأجل. أما اليوان الصيني فقد استمر الارتفاع التدريجي في سعره الفعلي الحقيقي أمام الدولار الأمريكي، ولكن فائض الحساب الجاري الصيني ازداد توسعا وبلغت الاحتياطيات الدولية مستوى شديد الارتفاع. الولاياتالمتحدة تتراجع على خلفية الأوضاع المضطربة في الأسواق المالية، جرى تخفيض بسيط في توقعات السيناريو الاقتصادي للنمو العالمي مقارنة بتوقعات يوليو من «مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي»، وإن كان لا يزال من المتوقع استمرار النمو بمعدل مرتفع. وتشير التوقعات إلى نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 5.2% في عام 2007 و4.8% في عام 2008. وكانت الولاياتالمتحدة ومعدل نموها المتوقع ب 1.9% لعام 2008 من أهم أسباب التعديلات الخافضة للنمو بالعالم، بالإضافة للبلدان المرجح أن تكون الأكثر تأثرا بالولاياتالمتحدة، والبلدان المرجح أن تتأثر بحدة إذا ما استمرت الاضطرابات في الأسواق المالية. فقد ازدادت المخاطر بسبب أوضاع الأسواق المالية وانخفاض الطلب المحلي في الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية، برغم استمرار أساسيات الاقتصاد الداعمة للنمو والزخم القوي لاقتصاديات السوق الصاعدة المتزايدة الأهمية. وسوف يتوقف مدى تأثر النمو على مدى السرعة التي تعود بها السيولة إلى مستوى أقرب إلى الطبيعي ومدى انكماش النشاط في أسواق الائتمان. وتقوم تنبؤات السيناريو الاقتصادي الأساسي الذي وضعه خبراء الصندوق على افتراض عودة سيولة السوق بالتدريج في الشهور المقبلة وعودة سوق المال المتداول بين البنوك إلى أوضاع أقرب إلى الطبيعية، رغم توقع استمرار الفروق الكبيرة في العائد. ومع ذلك، فمن الواضح أن إمكانية استمرار اضطرابات الأسواق المالية لبعض الوقت لا تزال قائمة. وإذا امتدت حدة الأوضاع الائتمانية لفترة مطولة فسوف يكون لها تأثير خافض للنمو بدرجة ملحوظة، لا سيما من خلال التأثير على أسواق العقارات في الولاياتالمتحدة والبلدان الأوروبية. وإذا ضعفت التدفقات الرأسمالية الوافدة فسوف تتأثر سلبا أيضا بلدان أوروبا الصاعدة ومنطقة كومنولث الدول المستقلة التي تتسم بعجز الحساب الجاري الكبير وتدفقات التمويل الخارجي الوافدة الضخمة. وهناك عدة مخاطر أخرى يمكن أن تؤثر بدورها على آفاق الاقتصاد العالمي. فقد شهدت أسعار النفط ارتفاعات قياسية جديدة ولا يستبعد أن تشهد ارتفاعات حادة مفاجئة أخرى بالنظر إلى فائض الطاقة الإنتاجية المحدود وذلك بالرغم من بعض التراجع في مخاطر التطورات المعاكسة الناجمة عن مخاوف التضخم. ولا تزال المخاطر المرتبطة باستمرار الاختلالات العالمية مدعاة للقلق. زيادة التدفقات الرأسمالية وأشار الفصل الثالث من التقرير والذي جاء تحت عنوان «إدارة التدفقات الرأسمالية الوافدة الضخمة» إلى أنه رغم المنافع طويلة الأجل التي يمكن أن تولدها التدفقات الرأسمالية الوافدة إذا أُحسِن استخدامها فإن من شأن هذه التدفقات أن تنشئ تحديات جسيمة أيضا أمام استقرار الاقتصاد الكلي. وبناء على الخبرة المكتسبة من أكثر من 100 نوبة شهدتها السنوات العشرون الماضية، يخلص هذا الفصل إلى أن إبقاء الإنفاق الحكومي على مسار ثابت في فترة التدفقات الرأسمالية الوافدة، بدلا من الاستغراق في الإنفاق المفرط، عمل على تخفيف الآثار السلبية الناشئة عنها. ويرجع ذلك إلى أن مسار الإنفاق الثابت خفف الضغوط على الطلب الكلي وساعد في الحد من ارتفاع أسعار الصرف الحقيقية. عدم المساواة تزداد «العولمة وعدم المساواة» التي جاءت كعنوان للتقرير تم مناقشتها بالفصل الرابع، حيث رصد فيها ازدياد حدة عدم المساواة في الدخول على مدار العقدين الماضيين في معظم البلدان والمناطق، وإن تباينت تجارب البلدان في هذا الخصوص. فقد ارتفع عدم المساواة في بلدان آسيا النامية، وأوروبا الصاعدة، وأمريكا اللاتينية، والاقتصادات الصناعية الآسيوية، والاقتصادات المتقدمة، بينما انخفض في إفريقيا جنوب الصحراء وكومنولث الدول المستقلة. وقد ارتفعت الدخول بالنسبة لجميع شرائح السكان، حتى الأشد فقرًا، رغم الزيادة الملاحظة في تفاوت الدخول. فارتفع دخل الفرد في كل شرائح السكان وجميع المناطق والبلدان تقريبًا، مما جعل الفقراء أفضل حالا بالمعنى المطلق. وإن كانت الدخول قد ارتفعت بسرعة أكبر في معظم الحالات بالنسبة للشرائح الأفضل حالا في الأصل. وكان للإنجازات التكنولوجية أكبر دور في زيادة التفاوت المشاهَد مؤخرا، ولكن العولمة المالية والتجارية أسهمت فيه بدور أيضا، لا سيما في الاقتصادات المتقدمة. ويفسر التقدم التكنولوجي وحده معظم الزيادة في عدم المساواة منذ أوائل الثمانينيات، بما يتسق مع الرأي القائل إن التكنولوجيا الجديدة في كل من البلدان المتقدمة والنامية تزيد من تكلفة ذوي المهارات وتحل محل عناصر الإنتاج التي تقترن بمهارات منخفضة نسبيا. ويوصي هذا الفصل بأهمية إحراز تقدم أكبر في وضع سياسات تساعد المجموعات الأقل مهارة ودخلا على الاستفادة من التقدم التكنولوجي والعولمة. فمن خلال تحسين فرص التعليم وزيادة فرص الحصول على التمويل، يمكن تحسين توزيع الدخل ككل. ومن العوامل المساعدة أيضا السياسات التي تعمل على تيسير حركة العمالة من القطاعات المتراجعة إلى القطاعات المتوسعة في الاقتصاد. وتظل التكنولوجيا والاستثمار الأجنبي المباشر والتطور المالي أدوات مهمة لدعم النمو الكلي وزيادة متوسط الدخول. ويشير الدور الإيجابي للصادرات الزراعية في تحسين النتائج التوزيعية إلى أن إتاحة فرص أكبر لدخول الصادرات الزراعية من البلدان النامية إلى أسواق البلدان المتقدمة يدعم توزيع الدخل بشكل أكثر عدالة في الاقتصادات النامية والمتقدمة على حد سواء. إنجاز تاريخي ويشير التقرير في فصله الخامس إلى أن النمو العالمي في الفترة بين عامي 2004 و2006 شهد أقوى معدلاته المسجلة منذ أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. فقد زاد الناتج العالمي بمتوسط 5.2 % سنويا في تلك الفترة. هذا بالإضافة لتزايد مساهمة بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية في النمو العالمي. وقد اتسم النمو العالمي بالاستقرار من عدة أوجه مهمة في الآونة الأخيرة، متفوقا في ذلك حتى على النمو المشاهَد في الستينيات آخر عصر ذهبي للنمو القوي والمستقر. وبعبارة أخرى، حقق النمو أداء مواتيا في جميع البلدان تقريبا. وتعزز الاستقرار منذ السبعينيات في الاقتصادات المتقدمة حيث كانت فترات الازدهار طويلة في العادة. وانخفضت النسبة الزمنية التي تمر فيها الاقتصادات المتقدمة بحالات الركود. ويشير الفصل الخامس «الدورة الاقتصادية العالمية وديناميكيتها المتغيرة» إلى أن طول استمرارية التوسع وانخفاض تقلب الناتج يرجعان في الغالب إلى تحسن السياسة النقدية وزيادة استقرار السياسة المالية العامة. وكذا لانخفاض درجة التقلب في معدلات التبادل التجاري. ومع ذلك، ينبغي ألا يُنظر إلى الاستقرار مستقبلا على أنه أمر مسلم به. فانخفاض درجة التقلب لا يعني بالضرورة استبعاد الركود. وقد تولدت عن العولمة التجارية والمالية مخاطر وجوانب ضعف جديدة. وتمثل الاضطرابات التي وقعت مؤخرًا في الأسواق المالية العالمية بمثابة تذكرة بأن مهمة الحفاظ على التوسع تقتضي من صانعي السياسات تحديد المخاطر والتحديات الجديدة في النظام الاقتصادي العالمي فور ظهورها والتكيف معها. ومن الضروري عدم السماح لما نشهده من نمو مطول بأن يولد نزعة إلى التهاون.