الآن، وبعد أن تقدم بي العمر ، وصرت أمشي بتثاقل على قدم تكلّست بالأملاح ، وأصحو على آلام مفاصل أضرتها الأنسجة الرخوة وهشاشة العظام ، وأنام مع أنف صعب فيه التنفس وتعذر الإستنشاق ، وأصرخ من ذاكرة تشتكي النسيان وضعف استدعاء المعلومات ، أدركت أنني قد قصّرت بحق نفسي وأهملت جسدي الذي هو أمانة قد وضعها الله في يدي ، وكان على واجب صيانته، وتوفير الطاقة اللازمة له على الدوام ، يقول المولى سبحانه تعالى : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً " .. إن المحافظة على لياقة الجسم وتحسين جودة الحياة تتطلب نشاطاً بدنياً مستمراً تتحرك فيه عضلات الذراعين والساقين لتجعل القلب والرئتين يعملان بكفاءة عالية ، حيث لا تيبُّس في الحركة ولا اضطرابات في المزاج ٍ، وقد اعتبرت الرياضة منذ الأزل هي الإستثمار الأول للصحة البدنية ، فعندما يمارس الأطفال الرياضة اليومية ، فهي تساعدهم على التناسق والتوازن وتنمّي مهاراتهم الإجتماعية ، وعندما يتعلمون عن طريق اللعب كالجري والسباق والتأرجح، فهم يتفوقون ويبدعون. وعند إشراكهم في رياضات جماعية مثل كرة القدم وكرة اليد والسلة ، فأنت تذكي فيهم روح التعاون كفريق واحد ينشد الفوز على المنافس ليس إلا. أما الرياضة لدى الشباب والمراهقين فهي تضمن لهم قدراً كافياً من التوازن الاجتماعي والنفسي والعاطفي وتخلصهم من الشعور بالملل والفراغ وهي أيضاً تحسن من مظهرهم العام ، حيث تبدو الفتاة أكثر تألقاً وأجمل قواماً ، والشاب يبدو أكثر لياقة في بدنه وأكثر فروسية في أخلاقة يتقبل الخسائر ويحترم الخصوم. أما ممارسة الرياضة لدى كبار السن فهي البلسم الشافي لكل أمراض الشيخوخة والعصا السحرية التي قد تصلح ما أفسده الدهر، فالتمارين المنتظمة تقلّل من إحتمالية سقوط المسن على الأرض ، وتحسن وظائف صحته الإدراكية ،كما تقلّل من افرازات هرمون التوتر في جسمه (الأدرينالين والكورتيزول) ، وتزيد من مستوى هورمون السعادة ( السيروتونين ) لديه ، كما تساعده على حرق السُعرات الحرارية الزائدة والسيطرة على ارتفاع ضغط الدم . نريد مجتمعاً رشيقاً ، خالياً من الأوجاع ،لا يعاني الوحدة والإكتئاب ، ولا يسكن إلى المسكِّنات ، لا يرتمي في أحضان المهدئات ، ولا يركن إلى المكملات الغذائية والمستحضرات الخلّبية ، لا نريد أن نسهر مع الشاشات السامة للأجهزة الإلكترونية التي تعيق إفراز الميلاتونين ، بل مع الكتاب الورقي الذي يعيد مرونة التفكير ويساعد على النوم العميق . لماذا لا نتدرّب على تعلُّم لغة جديدة ولعبة جديدة ومهارة جديدة تنشِّط ذاكرتنا وتثري معارفنا ، لماذا لا نمشي يومياً ولو نصف ساعة تعيد لنا صفاء الذهن وتزيل عنا تعب النهار ، لماذا لا نأخذ بثقافة الغذاء السليم ونبتعد عن ملوّثات الحياة العصرية ؟! . دعونا نحسن إلى أنفسنا ونراعي متطلبات أجسامنا من التمارين الرياضية والتدريبات اليومية التي ستقوي جهازنا المناعي ، وتجنّبنا زيارات العيادات الطبية وعبء التكاليف العلاجية ، ثم أدعو الله لنا حُسن البقاء وحُسن الرحيل عندما يأذن الله العلي القدير .