أصبحت الرياضة حاضراً صناعة وثقافة يشار إليها بالبنان، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة فقط على الرياضيين، فهناك آخرون ليسوا في الوسط الرياضي، وأصحاب مسؤوليات ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها ويتابعون تفاصيلها. تكشف البطولات الكبرى لكرة القدم عن التفاتة رجال السياسة والثقافة والأدب ورجال الاقتصاد والطب كذلك، إلى ذلك المعشب الأخضر الجذاب، فيتحول رجال الصف الأول في البلدان مع المثقفين في لحظات إلى مشجعين من الدرجة الأولى في مدرجات الملاعب أو مهتمين خلف الشاشات الفضية. يحضر الكثير من الساسة والمثقفين إلى مدرجات الملاعب خلف منتخبات الوطن. «دنيا الرياضة» تكشف الوجه الكروي لغير الرياضيين، عبر زاوية «الخط الأبيض» التي تبحث عن رؤيتهم للرياضة، وتبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم، وضيفنا اليوم هو استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور خالد العوفي، فإلى هذا الحوار.. وسطنا الرياضي يعاني من وجود تحيز معرفي.. وحامدي مدعو لمنزلي * هل ممارسة الرياضة أحد برامج علاج الأمراض النفسية؟ * أشارت الكثير من الدراسات العلمية إلى أهمية وضرورة ممارسة الأنشطة الرياضية في حياتنا اليومية. من أبسط أنواع الرياضة وأكثرها فوائد صحية هي رياضة المشي والسباحة، وهذا يتطلب منا الحفاظ عليها. كما أن دورها الوقائي والحفاظ على الصحة النفسية أمر بالغ الأهمية، فممارسة الرياضة تساعد على تنظيم إيقاع ضربات القلب وتنشيط الدورة الدموية، وتنظيم إفراز الهرمونات والنواقل العصبية المسؤولة عن الطاقة والنشاط وتحسين الحالة المزاجية وتعزيز الذاكرة والقدرة على التركيز والشعور بالاستقرار النفسي، إضافة إلى تعزيز جهاز المناعة وتخلص الجسم من المواد الضارة. ممارسة الرياضة تنظم إيقاع ضربات القلب وتنشط الدورة الدموية * هل اللاعبون المشاهير بعد الاعتزال واختفاء الأضواء مهددون بالاكتئاب؟ * لا يمكن الجزم بالإصابة بالاكتئاب، فالاكتئاب قد يصاب به أي شخص وفقاً لضغوط وعوامل تعرض معينة. لكن الاحتمال الأغلب هو الإصابة باضطراب التأقلم أو التكيف الذي قد يصيب أي شخص بشكل مؤقت عندما يتعرض لضغوط حادة كالتقاعد أو الاعتزال أو الطلاق أو غيرها من الضغوط. قد يظهر هذا الاضطراب في صورة أعراض اكتئاب كانخفاض المزاج والشعور بالحزن، عدم الاستمتاع بالأنشطة التي كانت ممتعة سابقاً، الانسحاب الاجتماعي، اضطراب النوم، اضطراب الشهية، وغيرها من الأعراض أو أعراض القلق (التوتر وشد عضلات الجسم، الخوف، التفكير المفرط، اختلال التركيز أو النوم) أو ظهور أعراض سلوكية مختلفة. الرياضة تعزز الذاكرة والقدرة على التركيز والشعور بالاستقرار النفسي الرياضة ارتبطت بتحسين الحالة المزاجية * برأيك ممارسة الرياضة بانتظام هل تساهم في القضاء على الاكتئاب؟ * أثبتت العديد من الدراسات فعالية ممارسة الرياضة وارتباطها بشكل إيجابي بتحسين الحالة المزاجية. الرياضة تساعد في تنظيم إفراز العديد من الدوائر والنواقل العصبية المسؤولة عن تحسين الحالة المزاجية والقلق والاكتئاب كالسيروتونين والنور ادرنالين وغيرها من النواقل العصبية الهامة. لذلك، يفترض أن تكون الرياضة جزءاً مهماً من النشاط اليومي وبشكل منتظم حتى تكون النتائج الإيجابية مرضية وملموسة. في منزلي تنوعت الانتماءات والأغلبية أهلاوية * المتعصبون الذي لا يملكون أعصابهم في النقاشات الرياضية ومشاهدة المباريات؛ هل هم مهددون بأمراض نفسية أو غيرها؟ * الشد والتوتر والعصبية المفرطة والمتكررة قد تكون عاملاً معرضاً للقلق وللتقلبات المزاجية نتيجة الفرط في إفراز هرمون الأدرينالين والكورتيزول واستثارة العصب الحائر والجهاز العصبي السمبثاوي المسؤول عن الشعور بحالة التهديد والكر والفر لدى الأشخاص. إن التكرار والاستمرار في إفراز هذه الهرمونات المؤذية للجهاز المناعي يمكن أن تصيب الشخص بنوع من الأعياء والتعب والشعور بالاستنزاف، والقلق وانخفاض مستوى التركيز. إضافة إلى انخفاض مستوى المناعة لديه وبالتالي يصبح عرضه للإصابة بالأمراض والالتهاب، ناهيك عن ارتفاع ضغط الدم وتحرير الجسم للسكريات ومقاومته للأنسولين، والإصابة أحياناً بالجلطات القلبية أو الدماغية. * التوتر والقلق هل الرياضة جيدة للقضاء عليهما؟ -الرياضة تساعد في تخفيف مشاعر التوتر والقلق والاحساس بالضغوط، فهي تعطي شعورا بالاسترخاء والصفاء الذهني والجسدي وتعمل على تعزيز مستوى المناعة الجسدية والنفسية في مواجهة التوتر والضغوط بأنواعها. كما تعمل على تهدئة الجهاز العصبي السمبثاوي المسئول عن ردود الأفعال الطارئة والشديدة، وتفعل نشاط الجهاز العصبي الجار سمبثاوي الذي يعمل على تهدئة الجسم وتخفيف شد وتوتر العضلات والشعور بالاسترخاء. خطر الألعاب الإلكترونية * إفراط اللاعبين في مشاهدة ألعاب الفيديو هل يصل للإدمان وأهمية التدخل للعلاج؟ * تشخيص الإدمان يتطلب تحقيق معايير نفسية تشخيصية متعددة، ونذكر منها عدم القدرة على التوقف والسيطرة على النفس وتحجيم السلوك مع احتمالية وجود محاولات سابقة غير ناجحة، قضاء ساعات طويلة ومتكررة في اللعب أكثر مما هو مقرر له، السعي واستغراق الوقت في البحث الحثيث عن كل ما هو جديد في الألعاب وفي الحصول عليها، والشعور بالشغف والاشتياق الشديد للعب بمجرد التفكير فيه، وزيادة عدد الساعات المستغرقة في اللعب بشكل متزايد، وحدوث نوبات من العصبية والتوتر وعدم الراحة بعد التوقف عن اللعب أو الحرمان منه، فقدان المتعة في الأنشطة الاجتماعية والحياتية الأخرى التي كان يستمتع بها الشخص سابقاً وانحصارها في الألعاب الالكترونية، واحتمالية حدوث تدهور في العلاقات الشخصية والاجتماعية مع الآخرين أو تأثر الجوانب الأكاديمية والوظيفية بذلك، والاستمرار في اللعب رغم وجود مخاطر صحية ونفسية مترتبة على هذا اللعب. هذه العلامات وغيرها تشير إلى وجود سلوك ادمان لدى الشخص رغم عدم اعتماد تشخيص إدمان الألعاب الإلكترونية كتشخيص إكلينيكي معتمد في الوقت الحاضر. * التعصب في التشجيع هل يمكن أن نسميه تطرفاً فكرياً رياضياً؟ ولماذا؟ * التعصب هو نوع من التحيز المعرفي تجاه فكره أو قناعة معينة، يتم التعبير عنها انفعالياً وسلوكياً بدرجات مختلفة بناءً على مدى النضج لدى الفرد وسماته الشخصية. بعض الأشخاص يكتسبون أسلوب التعبير والسلوك المتعصب بشكل لا واعٍ من خلال المحاكاة والتأثر بالآخرين، فقد يكون الدافع والمحرك هو الحب والانتماء المفرط الذي قد يتم التعبير عنه بصورة غير مقبولة اجتماعياً تستنزف الطاقة النفسية والجسدية. هذه الأساليب قد تكون مضرة للشخص ذاته نفسياً أو طبياً أو لمن حوله بشكل عام. لذلك، لابد من الوسطية في التعبير عما نعتقده ونحبه ونميل إليه، وبطريقة حضارية تشبع ميولنا دون أن تؤذي مشاعرنا أو مشاعر الآخرين، فأنت حر "بما تحب" ما لم تضر. التعصب ظاهرة سائدة * هل ترى أن التعصب الرياضي وصل مداه وبات الحوار المتزن غائباً؛ أم نعيش عكس ذلك حالياً؟ * لا نستطيع التعميم، ولكن من الملاحظ في المشهد الرياضي والتحليلي أن التعصب أصبح سمه سائدة لدى الكثير من الناس. النظرة المتعصبة والمتحيزة تعمي قارئ المشهد عن التحليل المنطقي والنظرة الواقعية الحيادية، فتغلب العاطفة والانفعال على العقل والتفكير الرشيد والمتوازن. * في الرياضة يحصد الفائزون والمتألقون الكؤوس، فما الذي يقلل ذلك لدى المبدعين في المجالات الأخرى طبياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً؟ * إلى جانب الأمور المعنوية والرضا عن النفس، البعض يحصد صدى الإنجازات ونشر الأبحاث مما قد يزيد الدخل المادي أو يرفع أسهمه لدى كثير من الجهات لطلب خدماته، كما أن البعض يكرم من جهة عمله، فالكؤوس يقابلها الرضا الوظيفي وقبل ذلك الرضا الداخلي الذي يشعره به الإنسان. * العقل السليم في الجسم السليم عبارة نشأنا عليها رغم خطئها فكم من شخصية عبقرية لا تملك جسداً سليماً، باختصار نريد منك عبارة بديلة منك لجيل المستقبل؟ * رؤية الوطن الطموحة 2030 لم تغفل هذا الجانب، فاهتمت بوصول الفرد إلى أسلوب ونمط حياة صحي ومتكامل، ما يعني ممارسة الرياضة والغذاء الصحي والنوم الكافي وترك العادات الصحية والسلوكية السيئة كالتدخين، وذلك لرفع جودة حياة أفراد المجتمع، وممكن اختصرها بعبارة: «أسلوب حياة صحي = حياة جيدة» فلو تلاحظ أن هذه العبارة احتوت على طرفي معادلة للعيش السليم والصحي، وتطبيقها ليس صعباً فالكثير من الناس نجحوا في تطبيقها بشكل كامل ورائع. مشاهير السوشيال ميديا علبوا الأطباء مادياً * بين رواتب اللاعبين ورواتب الأطباء، من يغلب من؟ * في السابق والى حدٍ قريب كان الأطباء هم الطبقة الوظيفية والاجتماعية الأكثر عائداً ودخلاً في المجتمع إلى أن تغيرت المفاهيم وطبيعة الحياة في الآونة الأخيرة وبرز مفهوم الاحتراف في المجالات الرياضية، إضافة إلى توسع وتنوع شبكات التواصل الاجتماعي وتركيز الجماهير على مشاهير التواصل الاجتماعي فغلبوا الكثير من الأطباء في وقتنا الحاضر، على الرغم من أن رواتب الأطباء تختلف باختلاف التخصص ودقته وطبيعة العمل وتنوعه سواء في القطاع الخاص أو الحكومي. * بعد إقرار وفاعلية الرياضة النسائية، هل ستسهم بالقضاء على عدد من الأمراض لديهن؟ * لا يوجد ارتباط واضح ومباشر بين الرياضة النسائية والأمراض النسائية. ولكن بشكل عام، تساعد الرياضة كما ذكرنا سابقاً في تنظيم الدورة الدموية وإيقاع ضربات القلب وضغط الدم، كما تساعد في حرق دهون الجسم وخفض مستوى دهون الكبد ومساعدة الجسم في استهلاك الطاقة من السكريات بدلاً من تخزينها في مركبات. إضافة إلى تخفيف حالة التوتر والشد في الجسم خاصة في أسفل الظهر وبين الكتفين. * هل تعتقد أن لغة المال طغت على جانب الإبداع والإخلاص؟ * في أحيان كثيرة نعم، المال صوته دائماً عالٍ، وهذا شيء لا يقتصر على الجانب الرياضي فقط بل في كثير من مناحي الحياة، ولكن النجاح الحقيقي عندما تتوازن اللغتان معاً. * لمن توجه الدعوة من الرياضيين لزيارة منزلك؟ * لجميع نجوم المنتخب السعودي الذين خدموا وقدموا البذل والعطاء والإنجازات وكذلك لنجم الكاراتيه الأولمبي البطل طارق حامدي الذي سجلاً إنجازاً مشرفاً في طوكيو. * هل سبق وأن أقدمت على عمل وكانت النتيجة تسللاً بلغة كرة القدم؟ * نعم، سواء أثناء الدراسة الأكاديمية أو الحياة العملية، لكن الحمد لله غالباً أعوضها بتكرار المحاولات حتى النجاح. * في نظرك هل الرياضة تفرق أم تجمع، ولماذا؟ * المفترض أنها تجمع فقط، ولكن الواقع يخالف ذلك، حيث البعض للأسف يرى بعين التعصب وقد يرفض أشخاصاً أو حتى أفكارهم بسبب ميولهم الرياضية المخالفة لميوله، فالتعصب هو شعار المحتقنين الذين لا يجيدون فن التعامل مع الآخرين الذي لا يشاركونهم الميول ذاته. * ما المساحة الحقيقية للرياضة في حياتك؟ * جيدة نوعا ماً. * متى كانت آخر زيارة لك للملاعب السعودية؟ * بصراحة لا أذكر متى. * أي الألوان تراه يشكل الغالبية السائدة في منزلك؟ * الأبيض والأخضر. * لأي الأندية تدين الغلبة في منزلك؟ * في منزلي ككثير من المنازل الأخرى هنالك تنوع في الميول والانتماءات الرياضية المختلفة، فمنهم من هو ميوله اتحادية وأهلاوية صميمة، وبعضهم نصراوي وهلالي بالتزامن مع الميول العابرة للقارات كالأندية الأوروبية والأسبانية وغيرها من الأندية العالمية. أما الغلبة السائدة في اعتقادي هي أهلاوية ولكن بشكل معتدل يغلب عليه الحماس أكثر من التعصب. * البطاقة الحمراء في وجه من تشهرها؟ * أشهر البطاقة الحمراء في وجه من يسيئون الى الروح الرياضية الجميلة ويشوهون طبيعتها وجمالها. * ولمن توجه البطاقة الصفراء؟ * أوجه البطاقة الصفراء لكل متعصب. * المساحة لك لتوجه روشتة للاعبين كافة وكذلك الرياضيين؟ * الحفاظ على نظام غذائي صحي ومتوازن يحافظ على نشاطهم ولياقتهم البدنية. الحفاظ على تنظيم ساعات النوم بشكل كافٍ لاستعادة النشاط المطلوب لبذل المزيد من الطاقة والمجهود اللازم للتألق في المباريات. تجنب التدخين بجميع أشكاله وتجنب الإكثار من شرب المنبهات أو المشروبات الغازية. أخذ قسط من الراحة والتدريب على مهارات التأمل والاسترخاء الذهني والتنفسي والعضلي. المحافظة على وقت التمارين الرياضية والشعور بالالتزام والمسؤولية تجاه احترام وتقدير الوقت بشكل عام، وفي نفس الوقت تجنب المبالغة في إجهاد الجسم وتحميله فوق طاقته. العمل بروح الفريق الواحد والتعاون وتجنب الخلافات والنزاعات قدر الإمكان حتى ينعم بمشاعر الصفاء الذهني والارتياح ومنها إلى التألق والإبداع.