على مدى أكثر من عام فرضت جائحة كورونا تداعياتها الصعبة على مفاصل الاقتصاد العالمي ، وتأثرت كافة الدول بمستويات مختلفة حسب قدرة كل منها على تحمل فاتورة الأزمة ومواجهة آثارها ، وأثبت الاقتصاد السعودي قوة ركائزه ومنظومته في الإجراءات التحفيزية لدعم القطاع الخاص، ليشهد خلال النصف الأول من العام الحالي تحولا للنمو الإيجابي مع تحسن الإيرادات وتنوع مصادرها ، وما حققته كفاءة السياسة الاقتصادية الرشيدة من نجاحات في إدارة دفة التحول وتأكيد مسارات النمو والاستدامة. لقد كشفت بيانات الميزانية للنصف الأول عن أول نمو إيجابي للناتج المحلي الإجمالي منذ الجائحة بنسبة ارتفاع 1.5 % على أساس سنوي، معلنة بذلك تعافيه رسميا ، بإفصاح وزارة المالية عن نمو الإيرادات بنسبة 39 % محققا 452.8 مليار ريال ، مقابل مصروفات بلغت 464.9 بقيمة مليار ريال ، وتراجع العجز 37 % إلى 12 مليار ريال مما يعكس قوة الأداء الاقتصادي وتسارع التعافي مدفوعا بنمو الإيرادات غير النفطية مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي. بطبيعة الحال عند الحديث عن النتائج النصفية لهذا العام ، لابد من تناول أرقام الربع الثاني لأهميتها في رفع معدل الإيرادات على ضوء التحسن الأفضل خلالها لمجمل العائدات ، حيث أفصحت الميزانية عن تسجيل الإيرادات للربع الثاني من العام الجاري زيادة 85 % على أساس سنوي لتصل إلى 248 مليار ريال ، فيما بلغت المصروفات 252.7 مليار ريال، ويتقلص العجز إلى 4.6 مليار ريال مسجلا تراجعا قياسيا يشير إلى توقعات أفضل في الربع الثالث الحالي الذي ينتهي الشهر القادم سبتمبر. وجاء ارتفاع الإيرادات في الربع الثاني بسبب نمو الإيرادات غير النفطية بنسبة 203.3 %، لتبلغ نحو 116 مليار ريال مقابل 38.22 مليار ريال، وكذلك ارتفاع الإيرادات النفطية 38.1 % متجاوزة 132 مليار ريال ، نتيجة ارتفاع أسعار النفط، واستعادة الاستقرار للسوق النفطية ، مقابل 95.7 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي التي تأثرت بتداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وخفضت الطلب على الخام. في هذا الإطار يُحسب في قوة الميزانية الحالية زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة والتنمية الاجتماعية 20 % في النصف الأول ، كما شهد الربع الثاني انتعاشا في الاستهلاك دعم بدوره نمو القطاع غير النفطي من الانتاج والخدمات، حيث سجل إنفاق المستهلكين ارتفاعا يقارب 26 % بقيمة إجمالية تجاوزت 265 مليار ريال، شملت السحوبات النقدية وعمليات نقاط البيع، خاصة مع تسارع التطعيمات التي دعمت تعافي الاقتصاد العام والمجتمعي دون دخول مرحلة إغلاق جديدة كالتي تشهدها دول أخرى. مؤشرات النمو المتزايدة ، أشار إليها صندوق النقد الدولي مؤخرا بأن الاقتصاد السعودي يواصل التعافي على نحو جيد، مع نمو الاقتصاد غير النفطي ، لافتا إلى أن زخم الإصلاحات والتنمية المستدامة تتواصل بخطى قوية والشراكات بين القطاعين العام والخاص ، وإرساء هيكل قوي للحوكمة والتعاون بين الوزارات والهيئات، واتساع نطاق التحول الرقمي على صعيد الخدمات الحكومية والمالية ، وقوة هوامش الأمان المستمدة من سياسات المالية العامة والقطاع المالي. ويظل الاستثمار ركيزة أساسية لطموحات النمو والاقتصاد المستدام ، وفي هذا تعزز المملكة موقعها على خارطة الاستثمار محققة زيادة سنوية بلغت 36.2 % للربع الأول من العام الحالي2021 مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، حيث وصل إجمالي عدد التراخيص الاستثمارية التي تم إصدارها 478 ترخيصاً ، وفق الاحصاءات الرسمية الحديثة الصادر عن وزارة الاستثمار ، وبالتالي تعكس تكامل نجاحات السياسة الاقتصادية قوة مسارات التنمية المستدامة، واستمرارية التقدم للأفضل في إنجاز مستهدفات رؤية 2030 للوطن الطموح المزدهر.