في ليلة جميلة من ليالي نادي الباحة الأدبي الذي تميز ببرامجه الثقافية الثرية المتعددة والمتنوعة من قرب وعن بعد، كنا نستمع للدكتور رجب الزهراني الأستاذ بجامعة الباحة في محاضرة نقدية مختلفة إلى حد ما عمّا عهدناه من قبل! فقد تعوّدنا الاستماع لنقد أدبي عن جماليات النصوص الإبداعية من خلال الكشف عن المعاني الجميلة والأفكار المحلّقة والصور الموحية وتفسيرها وتحليلها للوصول إلى دلالاتها بما يثري الذائقة ويرغّب في الاطلاع على جوانب الإبداع الأخرى. لكن الزهراني لم يكن منحازاً لتلك الجماليات التي قد يرى بأنها متاحة ومعهودة بل التفت للوجه الآخر وركّز على القبحيات في النّص، وهو ما جعل المستمعون يصغون إليه بدهشة وشغف لمعرفة بواطنها ودواعي اختيارها. حيث ألمح إلى أشكال النقد الأدبي والثقافي والمعرفي والعلاقة بينها موضحاً أن النقد المعرفي يحرك أعماق النص كاشفاً عن القبحيات النسقية التي يتستر عليها الجمالي بتوظيف مهارات علم النفس واللغويات والعلوم المعرفية عموماً للوصول إلى الوعي الإنساني الكامن في أعماق النص. وأن النقد الثقافي والمعرفي يتفقان على كشف أبعاد النص الثقافية والمعرفية للوصول إلى النسق الفكري الذي تنطوي تحته. وكما أن للنصّ جماليات فإن له قبحيات تتكشف من خلال النص المكتوب أو النص المنظور وفق ما نحا إليه المحاضر على اعتبار أن الصورة أيضاً يمكن تحليلها كذلك حسب زاويتها القريبة ومنظورها البعيد، مشيراً إلى أن القبحيات تظهر حسب مفاهيم الشخص أو الجماعات والمجتمعات، فما نراه جميلاً قد يراه غيرنا قبيحاً والعكس كذلك. وأكّد أن واقعنا كعرب ومسلمين يقع تحت تأثير قبحيات النص الغربي بأشكاله المختلفة البنيوي والوظيفي… والذي أثر كثيرا في الوعي العالمي بل تغلغل حتى في أنفسنا لسطوة الخطاب الغربي والذي أدى إلى المشاكلة العلائقية في كثير من الأحيان . لدرجة تشكلت معها بعض قناعاتنا بما يحكى عنا، وهذا ما عناه الدكتور رجب مما يتطلّب بناء خطاب قوي ومؤثر وقادر على التصحيح لعلنا نبعد الصورة المشوهة ونخرج من إشكالية النظرة الغربية القاتمة ونعيد تسويق أنفسنا وثقافتنا بالشكل المقبول عالمياً..وبما يطمس كل تلك القبحيات المدونة عنّا.