تحت ظلال أشجار النخيل وواحات العُلا، اجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لمواصلة البناء الذي بدأ منذ أربعة عقود زمنية، من أجل مصلحة الشعوب الخليجية وتعزيز مواقفهم السياسية، ومواجهة التحديات التي تشكل خطرا يهدد الأمن لجميع الدول الخليجية، كما يرتقي البناء بآمال وطموحات النخب الفكرية والاقتصادية الخليجية والعربية، مجتمعة تحت سقف التشاور بين هؤلاء القادة، وبما مَنَّ الله عليهم من الحكمة وسداد الرأي، وتحقيق مصالح المجتمع الخليجي على كافة المستويات، كنموذج حضاري يمثل ثقافة وقيم وعادات شعوب الخليج كافة، ويجمعهم على التكامل والتعاون في مجمل قضايا أمتهم الخليجية والعربية، لأن في وحدة الخليج قوة لبقية الأشقاء في الدول العربية، وتجديد أواصر العلاقات الوطيدة، التي كانت ولا زالت هاجس هؤلاء القادة منذ القدم، وأثبتت جدواها في مواقف تاريخية عديدة. ولاشك أن هذه المواقف تشكل الأهداف الإستراتيجية، التي قامت عليها سياسة الدول الخليجية، إيمانا منها بقيمة هذه الروابط والعلاقات المتبادلة، ويؤكدها ميثاق جامعة الدول العربية، منذ سنة التأسيس لما يقارب السبعة عقود ونصف، يوم كانت الأمة العربية كيانا واحدا، رغم بعض الخلافات التي عادة ما تذوب كما يذوب جليد الشتاء، وفق ظروف وطبيعة هذه الخلافات، وعُمق ونجاح الوسطاء وما يتمتعون به من حكمة، في اتخاذ قراراتهم وصدق عزائمهم، وهي أمور لا يمكن تجاهلها وإنما كانت ضمن الثوابت التاريخية، ولعل النموذج في الستينات من القرن المنصرم بكل سلبياته، وحدة صوت الشعوبية آنذاك والتسويق لها، من بعض أولئك القادة بنزعة طغت عليها الذاتية في بعض الأحيان. نظرا لبعض الأجواء السياسية والتوترات والضغوط، ولكنها في مرحلة زمنية لا تلبث أن تزول في أقرب لقاء ثنائي أو ثلاثي مختصر، قد ينجم عنه مؤتمر قمة تحت مظلة الجامعة العربية، لتدارك الأمر ومعالجة الوضع في أجواء أكثر حميمية، لكن الأجمل في تلك الأيام مهما كان حجم تلك الخلافات، انه لم يكن يُسمح بأي شكل من الأشكال بالتدخلات والأطماع الخارجية، والالتفاف من وراء الطاولات وكلام الليل يجلوه النهار، وإنما وحدة الكلمة وصفاء النوايا وتقارب القلوب هو ديدن تلك المرحلة الزمنية، وإن لم تكن في مستوى واقع اليوم من حيث وفرة الإمكانيات المادية، ووجود تقنيات العصر، والرؤى السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية، والتقدم العلمي والحضاري، الذي يقود المجتمع الخليجي بصفة خاصة، والمجتمع العربي بصفة عامة للأفضل. و(الحياة جامعة) الجميع ينهل من مناهجها، كما يرددها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه، منذ أن كان أميرا لمنطقة الرياض، والمملكة بيت العرب الكبير هي حاضنة آمال وطموحات العرب، والقادرة بتوفيق الله على قيادة أمتها العربية، بالتشاور مع الأشقاء القادة العرب، لمزيد من خير الأمة العربية والإسلامية بما أكرمها الله، من مقومات تستطيع من خلالها تحقيق رخاء وازدهار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، متى كان الإجماع الخليجي والعربي على كلمة سواء، فقوة مجلس التعاون الخليجي، هي قوة ونصر لأشقائهم في كافة الدول العربية، برؤية فكرية معاصرة واستراتيجيات عمل، تواكب متطلبات ومستقبل الأجيال.