ما أقسى وقع كلمة الوداع على النفس ، خاصة عندما نقولها في وداع أحبتنا وقد سكنت أرواحهم للأبد وتوسدوا الثرى ، أو عند وداع المسافرين ، أو عند افتراق المحبين كوداع (أبو طالب) عند فراقه عن ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تَرَني مِن بعدِهَمِّ هَممْتُهُ بِفُرقَة ِ حُرٍّ مِن أبِينَ كِرامِ بأحمدَ لمّا أنْ شَدَدْتُ مَطيّتي بِرحْلي وقَد ودَّعْتُه بسلامِ أو وداع ابن زريق لزوجته وهو بعيد عنها على فراش الموت: أستودع الله في بغداد لي قمراً بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه ودّعته وبودّي لو يودّعني صفو الحياة وأنيّ لاأودعه وكم تشبّث بي يوم الرحيل ضحىً وأدمعي مستهلاتُ وأدمعه وفراق قيس بن الملوح (مجنون ليلى) عن محبوبته ليلى العامرية وفراق جميل بن معمر (جميل بثينة) عندما قاموا بتزويج محبوبته بثينة من شخص آخر إذاً هو وداع المشاعر والقلوب عندما يحين في تلك اللحظات ، فكيف بوداع الحجاج للبيت العتيق اليوم في ختام مناسك الحج ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) ؟! للحج ثلاثة أطواف هي طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع طواف الوداع وهو الطواف المفترض في كتاب الله عز وجل ،يكون توديعاً للبيت يطوفه الخارج من البيت الحرام سبعة أشواط حول الكعبة، ويكون آخرَ ما يفعله الحاجّ . الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض وأمر بالوداع وقال: لا ينفر أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت. وسُمّي طواف الوداع بهذا الاسم؛ لأنّه يكون لتوديع البيت الحرام، ويُسمّى أيضاً (طواف الصدر) لأنّه يكون عند صدور الناس من مكة أي الخروج منها فكل من أتى مكة إما أن يريد الخروج منها وإما أن يريد الإقامة فيها، فإن أقام بها فليس عليه طواف وداع، لأن الوداع من المفارق لا من الملازم فالمكي ليس عليه طواف وداع لأنه مقيم. ومن عليه طواف الوداع ولم يطف فعليه دم لأنه واجب وليس على الحائض والنفساء طواف. إن آخر المناسك الطواف بالبيت العتيق أي القديم لأنه أول مسجد وضع في الأرض . وقيل عتيقا لأن الله أعتقه من أن يتسلط عليه جبار بالهوان إلى انقضاء الزمان وسمي عتيقا لأن الله – عز وجل – يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب . وقيل سمي عتيقا لأنه أعتق من غرق الطوفان وقيل العتيق الكريم لأن الله أعتقه من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه وهدمه وإنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق يوم الغرق زمان نوح.