إن جائحة فايروس كورونا تنتظم ضمن أهم أحداث القرن الحادي والعشرين، وربما أنها الأسوأ؛ لأنها بمنزلة الزلزال الذي ضرب دول العالم، وستكتوي بآثارها الدول المتقدمة، والأقل نموًا، وأن أيَّة دولة، مهما كانت قدراتها، وإمكاناتها وقوتها ونفوذها، لا يمكن أن تكون في منأى عن خطرها، أو محصَّنة ضدها، وهذا من أسباب حالة الارتباك والذهول في بداية انتشاره، حتى إن أعرق مراكز الأبحاث والمستشفيات وأجهزة المخابرات ومراكز التفكير، ومعامل الأدوية والمختبرات لم تكن تتوقعها. لا شك أن هذا الوباء وخطورته، لا ينبع من عدد ضحاياه فقط، وإنما من سرعة تفشيه وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية التي لن تكون وقتية، فالأحداث المأساوية التي مرَّت بالعالم، رغم قسوتها وخسائرها الكبيرة، مثل الإنفلونزا الأسبانية 1918م، وتسمى عندنا (سنة الرحمة أو سنة الصخونة)، ثم الإنفلونزا الآسيوية 1957، وفيروس نقص المناعة المكتسب/الإيدز 1981م، ووباء السارس، وإنفلونزا الخنازير وغيرها من الأوبئة والأمراض وصولًا إلى كورونا ؛ لابد أن تقدم دروسًا يستفاد منها من أجل مستقبل أفضل في تاريخ البشرية، على غرار ما حصل في الماضي من أحداث جسام، فقد انتهت الحروب الدينية في أوروبا بصلح وستفاليا في عام 1648م، الذي أقرَّ التسامح والتعايش بين المذاهب، وكانت أحداث «11 سبتمبر» فرصة للتضامن العالمي ضد خطر مشترك وهو الإرهاب، فماذا سيجني العالم بعد معالجة هذا الوباء؟ ومن ثنايا الأزمات تنبثق إيجابيات ودروس وعبر ، وجائحة كورونا على الرغم من الخسائر المادية والبشرية فإن العالم لن يكون بعد كورونا كما كان قبلها من حيث إنها سوف تجعل المسلم على وجه الخصوص أكثر استيعابًا وتعلقا بالإيمان والامن والصحة، وسيشهد العالم ابتكارات علمية وأساليب صحية جديدة وممارسات وقائية مثل :التغيير في العادات والانماط الحياتية والسلوكية ، والعودة إلى الترابط الأسري والمحافظة على النظافة العامة وحماية البيئة ونمو التعليم والعمل عن بعد وتقديم الخدمات الإلكترونية في كافة القطاعات وتقليص الروتين المطول في إجراءات إنتاج وصرف الأدوية، وسيزيد الاهتمام بالكادر الطبي والخدمات الطبية وتوفير الأجهزة والاحتياجات وفق معايير عالية المستوى والجودة، وستنشط الفعاليات والاجتماعات والمؤتمرات الافتراضية عبر الإنترنت، كما ستتراجع استخدامات العملات الورقية وأجهزة الصرف الآلية، وفي نفس الوقت ستزدهر خدمات التطبيقات الذكية في كثير من المجالات الصحية والمهنية والاجتماعية والاقتصادية. وفي سياق الحد من آثار الجائحة، فإن خبراء الصحة والطب والأوبئة ينصحون بأهمية استمرار التدابير الاحترازية، وألا ترفع بشكل كلي قبل التأكد من أنه لن يكون للوباء ارتدادات وبؤر لا تلبث أن تنتشر من جديد، لأنه من أسوأ الأوبئة انتشارًا، مع حث منظمة الصحة العالمية على إعداد إستراتيجية شاملة لمواجهته بشكل متكامل لتستفيد منها جميع أعضاء المنظمة حتى لا يتجه العالم والعلاقات الدولية إلى المجهول والحروب التي منها الحرب الاقتصادية مع التركيز على الآتي: أولًا: تعزيز الجهود الدولية لتطوير تقنيات وتكنولوجيات جديدة لمكافحة الوباء وإنتاج اللقاحات اللازمة. ثانيًا: التهيؤ لمعالجة جراحات الاقتصاد العالمي الكثيرة والمتنوعة. ثالثًا: العمل على حماية مبادئ العلاقات الدولية والنظام العالمي. رابعًا: تعزيز دور منظمة الصحة العالمية، والمنظمات والمجالس ذات الصلة. وجملة القول: إن قيادتنا الرشيدة قد برهنت كما هي عادتها، ولله الحمد في كل الأحوال والظروف على أن المواطن هو القيمة الأعلى لديها، حتى إن رعايتها امتدت لتشمل المقيمين والزوار وحتى المخالفين لأنظمة الإقامة، وقادت بكفاءة واقتدار المجتمع الدولي من خلال مجموعة العشرين إلى ما فيه خير للإنسانية جمعاء، مستمدة كل ذلك من أحكام الشريعة الإسلامية السمحة التي تدعو إلى تكريم الإنسان، والتسامح والوسطية، وتؤمن بأن مسؤولية الحفاظ على الإنسان تقع في المقام الأول على عاتق جميع الحكومات، وأنها تقدم القدوة والأفعال لا الشعارات في وقت أظهرت موجة كورونا أن الدول المتقدمة تعاني من وحشية التعامل وتردي القيم الإنسانية، وما تعرض له كبار السن فيها، وحجب المعلومات والتجهيزات الطبية وغيرها لهو أكبر دليل على ذلك، ناهيك عن اهتزاز العلاقات الدولية والثقة المتبادلة بينها. وكيل جامعة نايف العربية للشؤون الاكاديمية سابقا