تبدو حياة الشعراء للوهلة الأولى اهتمامهم بالطبيعة والجمال، فهم المغرمون بحب الوطن حتى الثمالة، ولا غرابة في ذلك فالوطن الجريح، يغرس لدى أبنائه من الأدباء والشعراء، الكثير من مشاعر الحماس والذود عنه بكل ما يمكنهم الدفاع عنه، بشتى أنواع الأسلحة، فهل هناك أقوى من الأقلام السيَّالة؟ حين تتراقص الحروف والكلمات بين أناملهم، وتتسابق بالعنفوان حد الجنون، أنه الشعور بقيمة المكان والزمان، وذلك ينطبق على من كانت مكاسبهم حب الوطن، وصولا لأهدافهم السامية، لتكون الحقيقة الساطعة، الوطن أولا وأخرا، وفي قديم الزمان وحديثه نماذج تُذكر فتعرف، تعَلّقَ حًبَّها بديمومة الحياة وجمالها، فكان ذلك أقصى ما تصل إليه خواطر أفكارهم فالجمع بين حب الوطن مهما كانت جراحه، وبين حب وانتقاء شريكة الحياة، بشكل دراماتيكي ومثير أقرب للخيال، وقصص ألف ليلة وليلة. فنحن أمام قصة حُبْ رومانسية، حدثت خارج الديار، وبعيدة عن كل التقاليد المتعارف عليها في شرقنا العربي، لأديب جال بقصائده وغزارة شعره، مدن وعوالم كثيرة بعضها من صنَّاع أهم القرارات السياسية، ولاسيما في قضايانا العربية، ولبلاد انتزعت من بين أيدي أصحابها، لكنها بقيت عالقة في الفكر والوجدان، ولمن عرف مكانتها التاريخية، القصة التي نحن بصددها بطلها الشاعر الكبير محمود درويش، الذي سُمح له بدخول الولاياتالمتحدةالأمريكية وحُدِّد له زمن التأشيرة ليوم واحد فقط، جاء يحمل بين حنايا أضلعه ونبض قلبه، حزما من الأحاسيس والمشاعر للدفاع عن قضيته “فلسطين”، القضية التي اكتسبت آراء الشرفاء، بحضوره جلسة هيئة الأممالمتحدة، بدعوى من جامعة جورج تاون، وقراءة نصوص شعرية. قادته ليلتقي بشريكته فيما بعد رنا صباح قباني، صدفة بدون سابق ميعاد، ولكنها سهام الُحبْ لاتخطئ خفقات القلوب، ومع حميمية اللقاء السياسي الأدبي، بتلك القاعة المكتظة بالمجتمعين، كان المشهد ينم عن لقاء غرامي بين الشريكين، أعقبه قبلة وداعية طبعت على خد الحبيب، ورسالة من العروس الفاتنة رنا قباني الكاتبة والأديبة والمؤرخة، لعمِّها الشاعر الكبير نزار قباني، ولقصيدته الرائعة “قارئة الفنجان”، التي غناها العندليب الأسمر “عبدالحليم حافظ”، ومع تدفق حرارة اللقاء لتلك القبلة السَّاحرة، قرر العاشقان الزواج بصورة أسرع من كل التوقعات، وعجّلا بالذهاب لجامع واشنطن، لعقد قرانهما هناك، ومغادرة المدينة قبل انتهاء زمن التأشيرة الاستثنائية، في اتجاه عاصمة السِّحر والجمال باريس. وسط أجواء زادت اللقاء حرارةً ودفئاً، استمر لأربع سنوات، انتهى بالانفصال المتسامح حضارياً، في بداية الثمانينات الميلادية من القرن الماضي، ليعيش وحدته الأولى قبل ارتباطه الثاني، ومع نصوصه الشعرية التي نتفق معه في بعضها ونختلف في الأخرى، خالص الدعاء لشاعر الرومانسية محمود درويش بالرحمة والمغفرة، وتقدير خاص لسيدة الأناقة وجمال الحرف والكلمة “رنا قباني”، احتراما لما كُتب عن قدسية ذلك الزواج، والتزامه بكثير من السرية.