بدأت قصتي مع القهوة منذ أن بدأت إدراك الحياة في سنوات الطفولة الأولى، حيث كانت القهوة ولا تزال أول خيار، أول فكرة وأول رغبة حيث نشأت وترعرعت. تُعتبر طريقة تقديم القهوة لكبار السن والضيوف مسألة في غاية الأهمية وكمجتمع مضياف يجب أن تُولى اهتمامًا كبيرًا، بداية من تحضير الحبوب إلى تجهيز القهوة حتى تقديمها بالطريقة التقليدية وبالكمية الصحيحة لكل فنجان في كل مرة. كان الفضول تجاه القهوة بجميع أنواعها وطرق تحضيرها يقودني إلى البحث، والبحث كان يحرض على التجربة وبطبيعة الحال التجارب تؤتي نتائج. النتيجة الحقيقية التي كانت بانتظاري هي أنه لا يوجد وصفة ثابتة لتحضير القهوة، تحضير كوب من القهوة هنا لا يتطلب من الشخص أكثر من مزيج قهوة مخزن بطريقة غير مناسبة بعد التحميص منذ مدة غير معلومة والطحن بطريقة غير صحيحة وبكميات تقريبية تُحضر على درجة حرارة عالية لفترة غير محددة. أصبح الجميع مولعًا ومعتادًا على تحضير القهوة بهذه الطريقة العشوائية، قهوة لم يُقدَّر لعشاقها تجربة الفرق في تفاصيل صغيرة قادرة على تحويل القهوة اليومية من قهوة مثقلة بالمنكهات إلى قهوة صافية النكهة، أصيلة القوام، عربيةٌ تُشرب وحدها بلا إضافات. قادني الشغف إلى تحضير القهوة العربية بمكونات ذات جودة عالية من مصدر موثوق، قهوة محسوبة المعايير والأوزان، قهوة تحضر دون الوصول إلى درجة الغليان. بعد تحضير القهوة العربية بطريقة معاصرة وغير مألوفة للجميع، كان من الصعب إقناع المعتادين على تحضيرها بالطريقة التقليدية بأن هذه النتيجة قد تكون أفضل مالم يقوموا بتجربتها فالإنسان عدو ما يجهل، بعد التجربة تغيرت الآراء وأصبحت ردود الفعل تجاه الطريقة المبتكرة لا تقل عن الانبهار مما لم يكن متوقعًا، بل فاق جميع التوقعات، قهوة أصيلة .. بنكهة عربية. في ذلك الوقت كانت إحدى أحلام بدر العصيمي معرفة طرق تحضير القهوة، ولكن بالطريقة غير المعتادة، فكان يتعلم أي أمر له علاقة بالقهوة وينجذب لأي حديث يتمحور حولها. فتعلم عدة طرق مختلفة لتحضير القهوة، وذلك بعد عناء وبحث واقتناء أدوات مختلفة لتساعده على التحضير. وبالاحترافية المطلوبة قرر بدر الغوص في هذا العالم، وتعلم أي أمر يساعده في تحسين أدائه، وبعد فترة لاحظ مستواه يتقدم، وبعد إن ارتفعت ذائقته شعر بأن إعداده للقهوة ليست ثابتة كناتج وطعم، لذلك قرر أن يدون وصفاته، فبدأت النتائج تتحسن وعلم أنه في المكان الصحيح. محبة بدر للقهوة وصلت لمرحلة تعصب لتاريخ القهوة! يقول ” أن القهوة ملك للعرب بيد أن الغرب تعلموها منا، وطوروها، بل إن أدوات ترشيح القهوة هي للعلماء المسلمين هم من أخترعها. شغف بدر لم يتوقف هنا، بل أشد الرحال واغترب ليتعلم نكهات أخرى للقهوة، فتطوع وعمل في عدة محلات للقهوة المختصة في أمريكا دون مقابل! فقط ليشبع هذا الشغف. سافر إلى فيتنام وهي مدينة نائية، فقيرة, وبات فيها إلى ما يقارب خمسة وعشرون يومًا لتطوير مستواه وللحصول على الشهادة، بل إنه اضطر للوقوف ستة ساعات وتذوق ثلاثة عشر كوبًا من القهوة لدى أحد أقدم وأشهر صانع قهوة في تركيا، ليتعلم منه السر وراء عدم الاعتماد على طريقة معينة للقهوة. هذه التحديات جعلت أداءه يتحسن كثيرًا، فقد حصل على الاعتماد الدولي كمحضر ومقيم قهوة معتمد من فيتناموأمريكا. شارك في العديد من المسابقات لإعداد القهوة، وحصلت وصفته المركز الأول على مستوى المملكة، والمستوى السادس على مستوى العالم، وعلى قبول ممتاز في مسابقة مدينة ريتشموند لتحضير القهوة. نرى في مجتمعاتنا كثيرًا من الناس يمشون على خطى من نجحوا في مجال معين، في رأيهم أن هذا هو الطريق الآمن للنجاح, تفكير عقولنا اقتصر على أعمال وحرف محددة وأصبحنا نقلد من هم أعلى منا في المستوى أملًا بأن نصبح مثلهم! ولكن المؤسف أننا لم نعي بأننا سنكون ذات يوم نسخ مكررة. برغم ما يهواه بدر من شغف نادر في مجتمعه، إلا إنه لم يتراجع ولم يختار حرفته بما يتماشى في سوق العمل، لكنه بحث عن شغفه وطور من أداءه ليكون نجمًا في حرفته. فالطرق الموصلة للأبداع ليست محصورة بحرفة دون غيرها.