اذا قيل ان محمود درويش أدركته حرفة المقاومة ..والقضية بالتسلح ..فإننانعلم جمعنا ان كلماته الشعرية ..كانتهي قذاف للعدو على مدى اربعين عاما ..فذلكالقول الشاعري لا يكتبه عبثا من اجل ممارسة هوايته للشعر ، بل من اجل انتمائه الى ارض أجداده المغتصبة ..لكنه قد وقع في مصيدة الصهاينة الذين تمردوا في كل بقعة على ارض فلسطين ..لأنه كان كنز لا يفنى من الكلمات والأشعار والكتابات التي بكل صدق لم يترك لنا كلاما لمدحها ووصف جمالها . وفي ليلة طالت ساعاته ..تقدم إلى منبر الشعر لإلقاء كلماته ..قائلاً: يُحبُّونَني مَيِّتاً لِيَقُولُوا : لَقَدْ كَان مِنَّا , وَكَانَ لَنَا . سَمِعْتُ الخُطَى ذَاتَهَا , مُنْذُ عِشرينَ عَاماً تدقُّ عَلَى حَائِطِ اللَّيْلِ . تَأتِي وَلاَ تَفْتَحُ البَابَ . لَكِنَّهَا تَدْخُلُ الآن . يَخْر ُجُ مِنْهَا الثَّلاَثَةُ : شَاعِرٌ , قَاتِلٌ , قَارئٌ . هكذا كان درويش يحب الظهور ..ولا يكرهه ابدا ..إذ أن حب الظهور هو سلاحه بجانب المقاومة ..وأماحب الظل لشعره فهو الاستثناء ...فهو شاعر مفطور بطبعه على أن يفكر ويبحث عن كلمات تتشابه لعمليات استشهادية كرجال المقاومة .. فلقد استطاع درويش ان يحدث هزة عنيفة لمعايير العدو الصهيوني ..والتي لا تزال سائدة في تجريم سلوكياتها الهمجية ..ولم يكن غيابه عن وطنه ينسيه ألمه أنما يلخصها في علامات استفهامية من بين كل شطر وأخر عندما ذكر ذلك في يومياته المغتربة : هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى دمنا على أيدينا ...لنُدْرك أننا لسنا ملائكة ..كما كنا نظن؟ وهل كان علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟ كم كَذَبنا حين قلنا : نحن استثناء ! أن تصدِّق نفسك أسوأُ من أن تكذب على غيرك ! أن نكون ودودين مع مَنْ يكرهوننا، وقساةً مع مَنْ يحبّونَنا - تلك هي دُونيّة المُتعالي، وغطرسة الوضيع ! أيها الماضي ! لا تغيِّرنا ...كلما ابتعدنا عنك ! أيها المستقبل : لا تسألنا : مَنْ أنتم؟ وكما تكون أحاسيس الإنسان في بلده ملهوفة ..فقدكان درويش باعثا بالإبداع في تشققات أرضيته الخصبة من تلك الهموم والجراحات من طفل وامرأة ومسن وشاب غيور ..يتساقطون على التوالي في شهادة جماعية، انهار فيه قواه وهو يؤدي دوره )-في إلقاء شعره للمقاومة ..فأرهق نفسه في بث قصائده للعالم لتكون آخر كلماته وهو يسقط ..فيقولليتني اسقط على أرضك يا بلدي الروح ( فلسطين وسقط فعلا درويش قبل أيام أرضا ..حالمابوطنه ..فلما كان الصباح أسلم الروح .