محو الأمية قضية جوهرية؛ حيث تعتبر أولوية قصوى، وهدفا أسمى من أهداف الدول والأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وفي الثامن من سبتمبر الحالي يحتفل العالم باليوم الدولي تحت شعار "محو الأمية وتعدد اللغات" ، كما يتزامن مع احتفالات 2019 بوصفها السنة الدولية للغات الشعوب الأصلية والذكرى السنوية الخامسة والعشرين للمؤتمر العالمي بشأن تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة. في هذه المناسبة، تسلط" البلاد" الضوء على جانب مهم من هذه القضية، وهو محو أمية ذوي الإعاقة البصرية ، حيث التقت مع أمين عام جمعية إبصار الخيرية سابقا، وعضو المجلس الدولي لتعليم المعاقين بصريا عن غرب آسيا سابقاً محمد توفيق بلو؛ لإلقاء مزيد من الضوء على الجهود الحضارية للمملكة في هذا المجال. في البداية، يرى بلو أن العالم العربي يعتبر من أعلى مناطق العالم في عدد الأميين؛ إذ أشار تقرير منظمة الألكسو بأن عددهم بلغ العام الماضي نحو 21% من إجمالي عدد السكان، لكن قياسا بجهود الدول نجد أن المملكة العربية السعودية حققت خطوات واسعة في مكافحة الأمية ونشر التعليم بين الكبار وذوي الإعاقة ، مشيرا إلى أن أكثر من ثلثي ذوي الإعاقة البصرية على سبيل المثال، هم في مرحلة التعلم ، وهذا يعكس جهود المملكة في نشر التعليم للمعاقين بصفة عامة والمعاقين بصرياً بصفة خاصة. ريادة في تعليم المكفوفين وبشيء من التفاصيل، قال توفيق بلو: إن المملكة من أوائل الدول على مستوى العالم العربي التي اهتمت بتعليم المكفوفين من خلال تأسيس مجموعة من المعاهد المتخصصة منذ ستينيات العام الماضي وتطور تعليم المعاقين بصرياً ليصبح مدموجا ضمن منظومة التعليم العام في فصول النور، وهي فصول للمكفوفين في المدارس العادية بهدف دمجهم ضمن فلسفة دمج تعليم ذوي الإعاقة مع الطلبة الأصحاء، وقد أدت فصول النور الى زيادة عدد المكفوفين المتعلمين. الأمية الرقمية ويتابع بلو": أظهرت النقلة التقنية النوعية في عصرنا ظهور نوع جديد من الأمية وهي الأمية الرقمية حيث اصبح جل منافع الحياة تشغل بوسائل رقمية في ظل أن عديد من فئات المجتمع لا يزالون غير ممارسين لاستخدام التقنيات الرقمية أو الإلمام بها، فأصبحوا خارج عصرهم مما يضع تحديات جديدة في قضية محو الأمية بمفهومها المعاصر، ومحدودية مراكز إعادة التأهيل التي تمكنهم من اللحاق بمتطلبات العصر الرقمية، مما يفاقم الآثار السلبية المنعكسة من إعاقتهم ويصعب اندماجهم في المجتمع، ويزيد من عبء رعايتهم على الدولة وأسرهم، خصوصاً وأن هدف «الألكسو» لا يتوقف على محو الأمية الأبجدية والإلمام بمبادئ القراءة والكتابة فقط ولكن يتضمن أيضاً العمل على محو الأمية الرقمية والثقافية وصولا إلى مجتمع المعرفة، وهو ما يعني محو أمية استخدام الكمبيوتر وأمية المعرفة ومناهج التفكير وآليات التعلم. الأمية اللغوية والثقافية ومن التحديات أيضا على صعيد المجتمع يطرح محدثنا زاوية أخرى وهي الأمية اللغوية والثقافية لبعض الجاليات الوافدة ممن لايتحدثون العربية خاصة السائقين والعمال فيقول: مع تطور العصر والطفرة الاقتصادية والنمو السكاني ظهرت الحاجة الماسة إلى وفود عديد من العمالة الأجنبية من دول مختلفة أكثرها من شرق اسيا كسائقين وعمال في المحلات التجارية، ومعظمهم لا يتكلمون أو يقرؤون اللغة العربية او الإنجليزية، الذي يضعهم في موضع الأميين، مما يعني زيادة عدد الأمية في المجتمع الأمر الذي يخلق تحديا كبيرا للمجتمع وذوي الإعاقة بحكم التواصل اللغوي، وما يحتاجه المعاق بصرياً من سائقين لتقديم المعلومات والارشادات على اللوحات ، لكن عدم تمكن السائقين من القراءة والكتابة باللغة العربية يشكل عائقا في التواصل اللغوي. ولذلك يعتبر تركيز اليوم الدولي لمحو الأمية لعام 2019 على مسألة "محو الأمية وتعدد اللغات"، عنصرا هاما لحل تلك المشكلة وإزالة الحواجز اللغوية التي تزيد من اندماج ذوي الإعاقة في المجتمع والاعتماد على الذات باستقلالية كبيرة". الاستثمار في محو الأمية لكن مالحل المنشود أو المتاح لزيادة نتائج محو الأمية بمستجداتها العصرية ؟ يجيب توفيق بلو : الحل يكون بالاستثمار في محو الأمية من خلال تنمية وتطوير ونشر معاهد تعليم اللغة العربية لغير المتحدثين بها أسوة بانتشار معاهد اللغة الإنجليزية ومعاهد اللغات الاوربية الأخرى في بلادنا التي تنتشر بنسبة واسعة، وتقدم دورات متقدمة وجاذبة مما يساعد على نشر لغاتهم في مجتمعاتنا؛ لذا أدعو بالاستفادة من توجهات الدولة في برامج التحول الوطني في الاستثمار بتعليم اللغة العربية ومحو أمية الكبار، عبر معاهد وبرامج خاصة تمول من القطاع الخاص والأفراد المهتمين بهذا الخصوص مع تطوير برامج مشوقة وعملية تمكن المتدرب من تعلم اللغة بصورة سريعة وبسيطة، وهكذا سنتمكن من محو الأمية في ظل التعدد اللغوي. حيث إن التعدد اللغوي في تطوير التعليم ومحو الأمية مسألة أساسية في مواجهة تحديات محو الأمية وتحقيق أهداف السنة المستدامة. وفي هذا السياق، استحضر من ذاكرتي صورة والدتي، رحمها الله، وأقرانها في سبعينيات القرن الماضي وهن منخرطات في برامج تعليم الكبار فقد كن يذهبن الى المدارس المخصصة لهذا الغرض والتي كان من فوائدها الى جانب نشر التعليم بين الكبار وتطوير المجتمع، أنها كانت مصدراً لزيادة دخل المعلمات اللواتي كن يعملن بأجر إضافي في تعليم الكبار بعد فترة العصر، وبالتالي شغلن وقت فراغهن أيضاً. بلغت نسبة الأمية في الصين في عام 1949 حوالي 80%، وفي عام 2014 وصلت 5%، ورقم أن النسبة قليلة، إلا أن العدد كبير، لأن 5% من سكان الصين، يقارب 54 مليون أمي. وأعلى نسبة أمية بين القارات موجودة في أفريقيا ( 38% ) من سكان أفريقيا البالغين أميون أفريقيا هي القارة الوحيدة التي فيها أكثر من نصف الأهالي، لا يستطيعون مساعدة أطفالهم في واجباتهم المدرسية. وتعود أسباب الأمية في العالم إلى عوامل مركّبة يتداخل فيها العامل الثقافي (التقاليد والأعراف ) مع الاجتماعي (التفكك الأسري والزواج المبكر والطلاق…) وكذلك العامل الاقتصادي (الفقر والبطالة وظروف العيش والمستوى التعليمي لأولياء الأمور والمحيط عموما).