تواصل المملكة تقدمها في التحول الاقتصادي القائم على تنويع مصادر الدخل غير النفطية، وتحقيق التنمية المستدامة ودخول اقتصاد المستقبل بآفاق واعدة للعديد من قطاعات التنمية، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي الذي استشرفته مبكرا وحظي ببرامج واسعة ومتطورة، ضمن أهداف رؤية 2030، التي ترتكز على ثلاثة محاور أساسية: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر ووطن طموح. وتعزيزا لجهود الدولة وخطط إنجازها لهذه المستهدفات، جاءت الأوامر الملكية كرافعة جديدة في هذا الاتجاه للاستثمار في مستقبل الوطن، حيث تضمنت: – إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، وترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، ويكون لها مجلس إدارة برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء، ويعين أعضاؤه بأمر من رئيس مجلس الوزراء. – إنشاء المركز الوطني للذكاء الاصطناعي ، وكذلك مكتب إدارة البيانات الوطنية، ويرتبطان تنظيميا ب "الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي". ويمثل إنشاء الهيئة أهمية كبيرة لدخول المملكة عصر الثورة التقنية والجيل الخامس في هذا المجال، بعد أن حددت المملكة بوصلتها باتجاه المستقبل الاستراتيجي للبيانات والذكاء الاصطناعي، وهذا ما أكد عليه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، خلال ترؤسه وفد المملكة المشارك في قمة العشرين باليابان حينما خاطب قادتها قائلاً: "إن العالم يعيش في زمن الابتكارات العلميةِ والتقنيةِ غير المسبوقة، وآفاقِ النمو غير المحدودة. خطوات سعودية متقدمة خلال زيارته إلى الولاياتالمتحدة، حرص سمو ولي العهد على تدشين انطلاقة جديدة لعصر الذكاء الاصطناعي في المملكة؛ حيث قام سموه بزيارات مهمة لوادي السيليكون ولقاءاته مع رؤساء كبريات الشركات العالمية الرائدة في صناعة التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي ، وتوقيع المملكة لشراكات واتفاقيات ومذكرات تفاهم عديدة مع عمالقة هذه الصناعات. أيضا حققت المملكة خطوة مهمة في هذا الاتجاه ، من خلال مساهمتها مؤخرا في صندوق "سوفت بنك" مع دولة اليابان، والذي سيخصص جزءا من استثماراته في مجال التطوير التقني للذكاء الصناعي، وتبلغ اسثتمارات الصندوق ( 100 مليار دولار) تساهم فيها المملكة بأكثر من 45 مليار دولار؛ لتعزيز استثماراتها المتقدمة على مستوى العالم وعلى رأسها الذكاء الصناعي، وتطوير صناعة الروبوتات حيث يتسابق العالم المتقدم في البحوث والتطور التقني في هذا المجال؛ مثل إنتاج الروبوتات أو السيارات ذاتية القيادة أو الطائرات بدون طيار (الدرونز). وتجسيدا لاهتمام المملكة بمستقبل الذكاء الاصطناعي، جاءت رعايتها لفعاليات القمة العالمية الثانية للذكاء الاصطناعي، التي أقيمت بمدينة جنيف السويسرية ، حيث شاركت بوفد متميز من مختصين وباحثين ورواد أعمال من البارزين في مجال الذكاء الاصطناعي ، واستهدفت القمة تعزيز الاستفادة من التقنيات المتقدمة في دفع عجلة التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة ، من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ، ومنها تقديم فرص جديدة لاكتشافات طبية أكثر، ومع الأوامر الملكية الجديدة تترجم المملكة أهدافها الطموحة في هذا المجال بأبعاده الحضارية والاقتصادية ومواكبة الاتجاهات الحديثة في عالم التكنولوجيا، المتمثل في الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والرقمنة والبيانات الضخمة التي ستمثل حيزا كبيرا في مستقبل الاقتصاد العالمي والجاذبية العالية لاستثمار عملاقة ، لما يحققه هذا التقدم الهائل لصالح زيادة الإنتاجية وتقليل التكلفة وتخفيض المخاطر والأخطاء إلى أدنى مستوى وفق أعلى درجات الانضباط؛ حيث تقدر دوائر الاستثمار العالمية أن تساهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي ب15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030. ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تحقق المملكة عوائد اقتصادية من مشروعات الذكاء الاصطناعي بنحو 12.4 % من ناتجها المحلى الإجمالي وهو ما يعادل أكثر من 135.2 مليار دولار ، وذلك مع موعد استكمال مراحل الرؤية. من هنا يمكن قراءة الأهمية البالغة للأمر الملكي باستحداث "الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي" لترجمة الأهداف الطموحة للمملكة في خوض غمار التكنولوجيا المستقبلية، كأولوية وطنية تحظى بالإشراف المباشر من القيادة العليا ، وستتولى الهيئة التعامل مع جميع الأصول البيانية الموجودة داخل المملكة، وستستعين الهيئة الجديدة بأفضل الممارسات العالمية.