عالمياً، يتسبب التدخين كل عام، طبقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، في وفاة أكثر من 8 ملايين شخص، وانفاق مئات المليارات من الدولارات، كتكاليف رعاية صحية، وتكاليف اقتصادية، لمجابهة الإدمان على تدخين التبغ. وإذا ما استمرت المعدلات الحالية لاستهلاكه، فمن المتوقع أن يقتل التبغ أكثر من مليار شخص في القرن الحادي والعشرين، مما يجعله أحد أكبر أسباب الوفاة والمرض التي يمكن الوقاية منها في التاريخ. ووفقا لدراسة أجراها المركز الأمريكي للوقاية من الأمراض، فإن معظم المدخنين يرغبون في الامتناع عنه على المدى الطويل، حيث يقوم أكثر من 90 ٪ من المدخنين بمحاولات منتظمة للإقلاع عن التدخين، لاينجح منهم إلا حوالي 4 ٪ في الامتناع عن التدخين لمدة تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة من محاولة الإقلاع ، دون مساعدة من المختصين. وعلى الرغم من أن المدخنين الذين يتلقون خدمات علاجية من مختصين في علاج التدخين بالطرق المبنية على البراهين لديهم فرصة في الامتناع عن التدخين أكثر بثلاث مرات من أولئك الذين يحاولون الإقلاع بأنفسهم ، إلا أن نسبة المدخنين الذين يحاولون الإقلاع بأنفسهم أكبر من نسبة أولئك الذين يتلقون خدمات علاجية مبنية على البراهين من مختصين، ففي الولاياتالمتحدة -على سبيل المثال – يستفيد أقل من ثلث الراغبين في الإقلاع عن التدخين، من الخدمات العلاجية القائمة على البراهين، وهذا يعني أن الغالبية العظمى منهم يحاولون الإقلاع معتمدين على أنفسهم، مما يقلل من فرص نجاحهم في التخلص من آفة الإدمان على التبغ. وبينما توصي إرشادات الممارسة السريرية في العديد من الدول بشدة أن يناقش مقدموا الرعاية الصحية خيارات العلاج القائمة على البراهين مع جميع مستخدمي التبغ في كل زيارة؛ إلا أن كثيرا من الدراسات، تدل على أن الممارسين الصحيين العاملين في مجال علاج التدخين في مختلف بلدان العالم ، لا يقومون بذلك بفعالية ، وليس لديهم دراية كافية بممارسة وتقديم الإرشادات السلوكية المبنية على البراهين على النحو الأمثل. واستجابة لهذا النقص في الكفاءات المتخصصة في علاج الإدمان على التبغ ، عقدت شراكة بين جمعية علاج استخدام التبغ وإدمانه (ATTUD) ، ومجلس برامج التدريب على علاج التبغ (CTTTP) في الولاياتالمتحدة ، نتج عنها تصميم وتطبيق برنامج الشهادة الوطني ؛ الذي يعزز كفاءات و مهارات علاج الإدمان على التبغ ، ويوفر اعترافًا موحدًا على المستوى الوطني للممارسين الصحيين الذين يحصلون على هذه الشهادة ، و التي تتميز- أيضا- بتمكينها للممارسين الصحيين من تطوير مهاراتهم في تقديم العلاج المعرفي السلوكي، بما يتسق مع ثقافة المجتمع ، وقيمه ، وعاداته ،و محدداته الاجتماعية، جنبا الى جنب مع خيارات العلاج الدوائي. إن تطبيق برنامج وطني كهذا، يتوقع أن يكون له أثر إيجابي على المدى الطويل ، في تحسين جودة خدمات الرعاية الصحية المقدمة لمستخدمي التبغ ، وتسهيل الوصول لها ،بما ينعكس ايجابا على زيادة معدلات الإقلاع عن التدخين ، على نحو يكفل استخداما أمثل للموارد البشرية والمادية ، ويقلل من الهدر الذي قد يصاحب حملات مكافحة التدخين ، بمختلف أشكالها. والمملكة العربية السعودية ، كغيرها من بلدان العالم، تعاني من العبء الذي يسببه التبغ صحيا، واقتصاديا؛ الأمر الذي يتطلب احداث تغييرات مهمة، لتحسين مستوى الممارسة المهنية في عيادات مكافحة التدخين ، على نحو يعزز العلاج السلوكي المعرفي، وفقا لاحدث البراهين العلمية. ولعله من المناسب الان – في نظري – أن يكون هناك مجلس علمي للبرامج التدريبية لعلاج التدخين في المملكة ، يؤلف من نخبة من المتخصصين في المجال ، بهدف وضع ومراجعة معايير التدريب المتخصصة في علاج استخدام التبغ وإدمانه بشكل مستمر ، مع تقييم و اعتماد برامج التدريب التي تلتزم بهذه المعايير ، وتطبيق برنامج وطني موحد، معتمد من هيئة التخصصات الصحية ، يكون مصدرا لإعطاء شهادة موحدة تصنف حاملها كأخصائي في علاج التدخين، ؛ وصولا لرفع كفاءة العلاج في عيادات التدخين المنتشرة في بلادنا ، وتعزيز دور العلاج السلوكي المعرفي، الذي يعد ركيزة أساسية في علاج التدخين، وفقا لثقافتنا، ومحدداتها الاجتماعية، والحضارية.