رغم محاولة الفيفا إخفاء حقائق عن مسار قضية اشغلت الأوساط العالمية من خلال خفايا ما كان وراء فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022م، وهو ما لم يكن ليتم إعلانه لولا أن فاز أولئك الذين خاضوا معركة التفاوض بالمال اولاً بواسطة رشاوي وضعها نظام قطر تحت وفوق طاولة الحوار المسبق. وقد عكس التزام الفيفا الصمت تجاه وثائق مسربة وعدم اتخاذها خطوات جادة حالة من تورط المؤسسة الدولية في هذا العمل غير المشروع الذي يهدد الممارسة النزيهة للفيفا في المستقبل. هذا وقد طالب عدد من النواب البريطانيين بإجراء تحقيقات حول تقرير صحيفة "ذا صنداي تايمز" الذي تحدث عن الرشاوى القطرية للفيفا من أجل الفوز باستضافة كأس العالم 2022. ودعا كولينز – رئيس اللجنة الرقمية والثقافية والإعلامية والرياضية – الفيفا الى تجميد مدفوعات الجزيرة واجراء تحقيق في العقد الذي "يبدو انه ينتهك القواعد بشكل واضح". وانضم الديمقراطيون الليبراليون الى الدعوة لاجراء تحقيق، حيث دعا زعيمهم السابق تيم فارون رئيسة الوزراء الى "توجيه الوزير الحكومي للاجتماع مع الفيفا على وجه السرعة في محاولة لضمان موافقتهم على اجراء تحقيق عاجل". وقال داميان كولينز – النائب في البرلمان البريطاني – إنه يجب إطلاق تحقيقٍ حول المعلومات التي تقول بأن قطر قدَّمت 400 مليون دولار أمريكي (307 مليون جنيه إسترليني) للفيفا قبل منح فيفا كأس العالم 2022 إلى قطر. وكانت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية قد كشفت عن أدلة جنائية تؤكد أن قطر دفعت "سرا" رشاوي تقدر بنحو مليار دولار للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" من أجل الحصول على استضافة مونديال 2022. وقالت الصحيفة، في تحقيق موسع نشرته، امس "الأحد" إن الدوحة عرضت سرا مبلغ 400 مليون دولار للفيفا قبل 21 يوما فقط من إعلان قرار مجلس إدارتها المثير للجدل، منح حق تنظيم كأس العالم 2022 إلى هذا البلد الصغير. وتظهر الملفات التي اطلعت عليها الصحيفة أن مديرين تنفيذيين من قناة "الجزيرة" المملوكة لقطر، وقعوا عقدا تلفزيونيا ضخما في الوقت الذي وصلت فيه حملات عروض استضافة كأس العالم إلى ذروتها. وتضمن العقد إيداع 100 مليون دولار "رسم نجاح" غير مسبوق في حساب للفيفا حال نجحت قطر في اقتراع كأس العالم عام 2010. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا العرض يمثل تضاربا كبيرا في المصالح بالنسبة للفيفا وخرقا لقواعدها، حيث كانت "الجزيرة" ولا زالت يملكها ويسيطر عليها أمير قطر الأب (حمد بن خليفة آل ثاني)، الذي كان المحرك الرئيسي للحملة. واطلعت الصحيفة أيضا على نسخة من عقد ثانٍ لحقوق البث التلفزيوني مقابل 480 مليون دولار أخرى عرضتها قطر بعد 3 سنوات أي عام 2013، قبل فترة وجيزة من إطلاق الفيفا تحقيقها الذي استمر فترة طويلة في فساد عملية التصويت والتلاعب بالنتائج، وهذا العقد هو الآن جزء من تحقيق الرشوة الذي تجريه الشرطة السويسرية. وأوضحت أن الدوحة عرضت مباشرة على الفيفا ما يقرب من مليار دولار في وقت حاسم في إطار جهودها لاستضافة والاحتفاظ بحق استضافة كأس العالم 2022. ويقول خبراء إنه سيكون من الصعب تبرير المبلغ المدفوع من قبل هيئة الإذاعة القطرية لصفقات حقوق البث التلفزيوني بشروط تجارية بحتة، ويعتقد أن هذا المبلغ 5 أضعاف المبالغ المدفوعة سابقا مقابل هذه الصفقات في المنطقة. واعتبرت الصحيفة أن هذا الكشف يعزز الأدلة المتزايدة على أن قطر اشترت بالفعل حق استضافة أكبر منافسة رياضية في العالم. وأكدت أن عرض ال400 مليون دولار قبل التصويت يمثل خرقا واضحا لقواعد فيفا لمكافحة الرشوة، التي تمنع الكيانات التي ترتبط بالعطاءات من تقديم عروض مالية للهيئة الرياضية فيما يتعلق بالعملية. ومن المتوقع أن تتلقى "فيفا"، التي تزعم أنها "أصلحت نفسها في أعقاب فضائح الماضي"، دفعات بملايين الدولارات، تشمل حصة من "رسم النجاح" البالغ 100 مليون دولار الشهر المقبل بموجب شروط العقد. وكان رئيس لجنة الثقافة والرياضة والإعلام في مجلس العموم البريطاني، قد طالب "فيفا" بتجميد مدفوعات قناة "الجزيرة" والتحقيق في العقد الذي عدَه انتهاكا واضحا للقواعد. ولفتت الصحيفة إلى أن الرشوة البالغة 400 مليون دولار قيمة العقد، الذي عرضته قناة الجزيرة مقابل حق بث مباريات بطولتي كأس العالم 2018 و2022 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تمثل مبلغا قياسيا وفريدا؛ لأنه لم يتم الاتفاق على أي من صفقات حقوق البث التلفزيوني الأخرى قبل اختيار الدول المضيفة. ووفقا للصحيفة، احتوى البند الرئيسي على "رسوم نجاح" ضخمة مرتبطة بالتصويت، ويقول: "في حال تم منح مسابقة 2022 لدولة قطر، يجب على الجزيرة، بالإضافة إلى رسوم حقوق البث، أن تدفع إلى فيفا في الحساب المحدد مبلغا ماليا قدره 100 مليون دولار". ويصف العقد "رسوم النجاح" بأنها رسوم إضافية لتغطية تكاليف "إنتاج البث"، على الرغم من أن الفيفا عادة ما تدفع مقابل أعمال التصوير والتحرير. وعشية التصويت، أبلغ سيب بلاتر، رئيس الفيفا آنذاك، أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي أن كل واحد منهم سيحصل على مكافأة استثنائية قدرها 200 ألف دولار لأن كأس العالم هذا العام كان نجاحا ماليا. في اليوم التالي، ظهر حمد بن جاسم وهو يرفع كأس العالم على خشبة المسرح في زيورخ للاحتفال بفوز قطر في الاقتراع لاستضافة كأس العالم 2022. والأسبوع التالي وقع بلاتر وجيروم فالكي، السكرتير العام للفيفا، عقد حقوق البث التلفزيوني بقيمة 400 مليون دولار، وفي إطار الصفقة، حيث قدم القطريون 6 ملايين دولار كدفعة مقدمة إلى الفيفا. أما العقد الثاني، الذي اطلعت عليه الصحيفة، قامت بإعداده مجموعة "بي إن سبورت"، التابعة للجزيرة، وهو ما يمثل تضاربا في المصالح، حيث وصل محقق في لجنة الأخلاقيات في الفيفا، مايكل جارسيا إلى مراحل حاسمة من تحقيق الفساد المحيط بتصويت عام 2010، وكان يخطط لزيارة قطر. وفي وقت لاحق، أشادت فيفا بعمل جارسيا بعد أن قام بتبرئة قطر من ارتكاب المخالفات، ولكنه استقال قائلا إن النتائج التي توصل إليها قد تم تحريفها. وبعد ساعات من نشر تحقيق "تايمز"، أظهر استطلاع رأي، أجرته ذات الصحيفة أن 93% من القراء يؤيدون سحب حق تنظيم مونديال 2022 من قطر، بالتزامن مع كشف تفاصيل فضيحة الرشوة القطرية وصوت المئات ب"نعم"، للإجابة على سؤال الصحيفة "هل يجب سحب حق تنظيم بطولة كأس العالم 2022 من قطر؟". ومن المقرر أن ينتهي الاستطلاع في منتصف نهار الجمعة المقبل 15 مارس، وستنشر النتيجة النهائية في صحيفة "صنداي تايمز" الأحد المقبل 17 مارس. ومن ثم فانه لابد من تحرك سريع للاتحاد الدولي لكرة القدم لمواجهة فساد حصول قطر على الفوز المزعوم. كما يجب ان يعمل الاتحاد على ما لحق به من مساس ضد اخلاقيات العمل والمسؤولية والتزاماته القانونية. وان يتم شطب قطر من أية مشاركة دولية نتيجة قيام نظامها بعمل لا يليق بالامانة ولا المنظومة الدولية. كما ان وجود اسم امير قطر السابق حمد بن خليفة يعيد الى الاذهان ذلك الانفعال والاحساس بانه مقابل الأموال رفع كأس لا يستحقه بل دفع ثمنه شعب قطر المغلوب على امره. كما ان التزام الصمت للمنظمة الكروية العالمية تجاه الوثائق وعدم اتخاذ خطوات جادة يؤكد مدى تورطها في الفضيحة الدولية. وبالتالي يؤكد النظام الفاسد في الدوحة ان ما حصل يجسد وصمة عار لن تتخلص منها الا بإجراءات قانونية ونظامية رادعة ومعلنة للعالم وتعيد ما تبقى من كرامة الرياضة الدولية المختزلة في منظمة وقعت في اكبر عملية رشوة في تاريخ الرياضة العالمية.