وأنا أبحث في أوراقي، عثرت علي مقال لأخي الدكتور عبدالعزيز الصويغ، تم نشره في جريدة المدينة عنوانه .. اسأل روحك .. حيث تحدث فيه عن الاستعداد للحياة بعد التقاعد … ولا أخفيكم أن الموضوع أثار شجوني ..وجعلني أعود إلى الوراء مدة 40 عاما .. عندما التحقت بالخطوط السعودية متدربا، بوعد للتوظيف بعد انقضاء فترة التدريب. يومها وجدت تعميما موزعا علي مكاتب الإدارة التي كنت أعمل بها، وهي إدارة التدريب .. وقرأت التعميم أنا وزميلي الراحل .. فريد أحمد عبدالباقي .. رحمة الله عليه. كان التعميم يخاطب الموظفين والمدراء الذين أوشكوا على التقاعد .. وضحكنا أنا وهو بصوت عال وألقينا بالتعميم جانبا، وقلنا: لسه بدري ..أمامنا 40 عاما؛ حتى نصل سن التقاعد .. لماذا نفكر ونهتم بهذا الموضوع الآن؟! ومضت السنون تجري ..ونحن في غيبوبة العمل والإنجاز وإثبات الذات والنجاحات والسفر ..إلخ .. وبالفعل.. أقصد ما أقول ..لقد كانت غيبوبة لذيذة، فيها أحلام الشباب وفورته وطموحاته ..التي تنسينا ماهو قادم في الحياة .. ولم أصحو من تلك الغفوة أو الغيبوبة إلا ومدير مكتبي يبشرني بفرح ..بأنني سأرتاح بعد عناء عمل السنين. وأصارحكم القول: إنني كنت من القلائل جدا ..الذين كانوا سعداء بكل لحظة قضيتها في عملي طوال السنين.. بالرغم من بعض الكبوات والمنغصات القاسية التي تعرضت لها .. ولكنني أحمد الله علي توفيقه لي، وتحقيق الكثير من ذاتي وأهدافي .. وأعود إلى بشارة التقاعد .. وأقول لكم بصدق: لقد فوجئت بالخبر .. فجلست على الكرسي أفكر في الخطوة التالية، وسألت نفسي ماذا علي أن افعل؟ ! . وسرحت بخيالي عبر الأربعين عاما الماضية، والتي قضيت منها قرابة 20 عاما في حقل التدريب .. أضع خططا واستراتيجيات التدريب والتطوير وتنمية الموارد البشرية في المؤسسة .. وأصمم المناهج والبرامج التدريبية، وأعقد دورات التدريب والمؤتمرات وورش العمل .. ولكن … ولكن للأسف لم يخطر ببالي أن أقتحم موضوع إعداد وتهيئة البشر لما بعد التقاعد .. واعترف لكم أنني أعتبر هذه هفوة كبيرة مني لا تغتفر .. والغريب في الامر أنه لا أحد في المؤسسة التفت أو تنبه لها إلا في وقت متأخر. ويمكنني أن أعزو السبب في ذلك .. إلى أن المؤسسة كانت في تلك الفترة شابة، وتعج بجيل الشباب .. وانخرطت في تلبية متطلبات الوطن أثناء الطفرة الاقتصادية الاولى .. الخ. وبدأت حياتي الجديدة بعد التقاعد ..واخترت أنا وصديقي الأستاذ عبدالقادر برهان عملا مختلفا عن الطيران .. عملا خاصا له علاقة بالإبهار والألوان والصوت والضوء .. وتصفيق الجماهير .. حتي يكون التحدي مختلفا والنتائج فورية والإنجاز يترك أثرا في أكبر شريحة من المجتمع .. وهكذا كان .. لكن الانخراط المفاجئ في العمل الحر له تبعاته وتحدياته ودروسه .. و إنني أرى أن مربط الفرس في قضية الاستعداد للتقاعد هو مسؤولية المنظمات والشركات بالدرجة الأولى ..ومن ثم الموظف؛ حيث إن الفكر التخطيطي هو من سمات الشركات المتطورة والمتقدمة ..ولو كان الأمر بيدي لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء؛ لاستعنت ببيت خبرة لإعداد دراسات جدوي لمشاريع صغيرة، تقدم للموظفين لمساعدتهم في مرحلة التقاعد؛ كي يبدأوا عملهم الخاص وتخدم الشركة ذاتها. سوف لن أخوض في الفكرة، بل أترك العنان لخيالكم لإثراء الموضوع والمساعدة في تطبيقه على أرض الواقع للأجيال القادمة.