من منا لم يخالجه الشك والخوف يوما بان الآلات الذكية قد تكون أحد الأسباب لفناء الجنس البشري وبأنها قادرة على تصميم نفسها ذاتيا لتقضي على الحضارة الإنسانية. وأصبح مصطلح الذكاء الاصطناعي أو التعليم الآلي، المصطلح المخيف الذي يلوح في الآفاق لإنهاء البشرية وولادة عصر الروبوتات. الذكاء الاصطناعي هو ذلك العلم الذي يستخدم الآلات والروبوتات المبرمجة أوتوماتيكيا والمحسنة رقميًا بشكل سريع لتحقيق أعلى مستويات الإنتاجية لتكون على مستوى من الذكاء لتحاكي القدرات الذهنية البشرية وطريقة عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج. ولقد باتت فكرة دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف التخصصات والعلوم أمراً ضرورياً وليس اختياريا لأثره الإيجابي الكبير المتوقع في تطوير الخدمات وزيادة الإنتاجية ورفع الكفاءة نتيجة لتصحيح وتغير المسارات التقليدية لمختلف العلوم وبما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تحث على الابتكار والإبداع والتقنية الحديثة. أما بالنسبة لصناعة التأمين، فإن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي سيساعد شركات ووسطاء التامين على إيجاد حلولا لمعظم المشاكل التي يواجهها القطاع. فقد سجلت مختلف التقارير ومنها تقرير وكالة “إس آند بي غلوبال” للتصنيفات الائتمانية انخفاض عام في صافي دخل شركات التامين في السعودية بنسبة 55% لعام 2017، حيث تراجعت بمقدار 1.1 مليار ريال لعام 2017 من 2.5 مليار ريال لعام 2016. ربما تكون زيادة نسبة الديون المعدومة أو الديون الغير مسددة من قبل العملاء بالإضافة إلى مخاطر تسعير المزايا والمنافع الجديدة للتأمين الصحي من قبل الأمانة العامة لمجلس الضمان الصحي التعاوني لتحسين الرعاية الصحية من الأسباب التي أدت إلى انخفاض الدخل العام لشركات التامين. لكن من المؤكد أن عدم مقدرة شركات التامين المحلية على استحداث برامج جديدة للتامين الإلزامي، كما أن الإجراءات الأخيرة المفروضة من مؤسسة النقد لرفع مستوى حماية ورضى حملة وثائق التامين إضافة إلى الضغط المفروض لخفض تسعيرة وثائق التامين الخاصة بالمركبات وتحقيق العدالة لإعطاء خصومات لسائقي المركبات الملتزمين بأنظمة المرور كانت من أهم الأسباب لخفض صافي الدخل العام لشركات التامين. وقد كان ذلك واضحا بتراجع أرباح أكبر شركة تامين في السوق السعودية حيث بلغ صافي خسائر شركة التعاونية للتأمين 147 مليون ريال لعام 2017، مقارنة بصافي أرباح 801 مليون ريال لعام 2016. بينما سجلت خسائر شركة ميدغلف ما يقارب 388 مليون لعام 2017. لذا أصبح ضروريا في ظل غياب آلية واضحة للتعامل مع هذه المشكلات أن يتم الاستثمار الأمثل لربط الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي المتقدم للمعلومات وعلم إنترنت الأشياء للتغلب على معظم المشاكل التي تواجه قطاع التامين، وخصوصاً فيما يتعلق بالتعويضات وتخمين قيمة الحوادث بالإضافة إلى توفير المنتجات المناسبة التي تناسب متطلبات العملاء، وسرعة التعويض للعملاء المميزين ورفض المطالبات التي تحمل طابع الاحتيال والخديعة. الذكاء الاصطناعي سيمكن شركات التأمين من الوصول إلى العملاء المحتملين بسهولة وفي وقت قصير والتركيز بعمق على دراسة احتياجاتهم الشخصية ومعرفة حجم المخاطر المتوقعة، وبالتالي إنشاء حلول تفصيلية مما قد يساعد في نهاية المطاف إلى تطوير الأداء وإيجاد فرص جديدة و تسريع الخدمات وترشيد المصاريف، مما يشكل حافزاً كبيرا لارتفاع نسبة مساهمة قطاع التامين في الناتج المحلي الإجمالي للدولة وزيادة فرص الاستثمار . ومن الضروري عند الإقدام على الاستثمار في أتمتة عمليات صناعة التأمين وتطبيق مفهوم الذكاء الاصطناعي أن يؤخذ بعين الاعتبار عدم التعارض مع القوانين والأنظمة المختصة في الدولة، لتنظيم عملية التطبيقات الجديدة و للحفاظ على توازن معتمد بين شركات التامين. إن هناك أمال كثيرة ونظرة تفاؤلية تتجه نحو الاستثمار في علم الذكاء الاصطناعي وكيفية الاستفادة من المزايا العديدة المتوقعة والتي من الممكن الحصول عليها في صناعة التامين، ولن يكون هناك تقدم تقني ملحوظ في تعاملات شركات التامين ما لم تتبنى ذلك ويكون من أساسيات الخطة الإستراتيجية لديها. أخيرا إنه من السعيد أن هناك بعض من شركات التامين تسعى حاليا وبجدية للاستثمار في البنية التحتية والأنظمة التقنية المتقدمة والابتكار لتقديم أفضل ما لديها من خدمات ومزايا لصناعة التامين. @Dr_AlNemerH