إن السير في اللغة، هو الحبس والكف والمنع والشدة والضم، وهو قدرة تدرب الإنسان على تحمل المشاق والمصاعب، والصبر كما قال بعض السلف نصف الإيمان، فالإيمان إلا صبر وشكر، فالإيمان اسم لمجموع الأقوال والأعمال والنية وهي ترجع إلى شطرين: فعل وترك، فالفعل هو العلم بطاعة الله وهو حقيقة الشكر، والترك وهو الصبر عن معصية الله، والدين كله في هذين الشيئين (فعل المأمور وترك المحظور) وهما أصل طاعة الله تعالى فالإيمان مبني على ركنين يقين وصبر، وهما الركنان المذكوران في قول الله تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) وباليقين يعلم حقيقة الأمر والنهي والثواب والعقاب، وبالصبر ينفد على ما أمر الله به، ويكف النفس عما نهى الله عنه، لذا امر الله بالصبر وحث عليه وقرنه بأهم اركان الاسلام وهي الصلاة فقال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)، وربطه بتقوى الله والرباط في سبيله فقال: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)، لذا كان الصبر على أنواع، تشمل الدين كله، فالصبر على الطاعة ومنها الصوم أول أنواعه، فالطريق إلى الله مليئة بالعوائق، لأن النفس بطبعها تنفر من القيود، والعبودية لله قيد لشهوات النفس، فالنفس لا تستقيم على أمر الله بيسر وسهولة فلابد من ترويضها، وكبح جماحها، وهذا حتماً نحتاج فيه إلى اصطبار والصوم منع للنفس عما تشتهيه من الطعام والشراب والجماع مدة النهار كله ويتكرر ذلك كل يوم حتى نهاية شهر الصوم، ولذا جاء حديث أبي ذر رضي الله عنه، والذي رواه الإمام أحمد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر ويذهب مغلة الصدر، قال: قلت: وما مغلة الصدر قال: رجس الشيطان) فاسمى سيدنا رسول الله شهر رمضان شهر الصبر، وهو صبر على طاعة عظيمة هي أحد أركان الإسلام وهو الصوم، وقد شرع الله فيه من الطاعات ما يحتاج إلى صبر عظيم من المؤمن فمع الصيام كل ألوان الطاعة من أحياء الليل بالصلاة والذكر والتلاوة، وبما ندب فيه من الصدقة والاحسان إلى الفقراء، وبما أمر به من كف اليد واللسان عن الأذى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ويقول: (إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فان امرؤ شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم) ولذا قال أيضاً: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر) فإذا كان الصوم وهي طاعة صبر فالمؤمن يصبر على أداء الطاعات كلها، ويجب عليه الصبر عن المعاصي وهو النوع الثاني من الصبر فان يكف النفس عن المعاصي ليس بالأمر اليسير، فيبتعد عن ارتكاب المحرمات كلها، ويكف نفسه عن الهوى لذا قال ربنا عز وجل (وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير، لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون) ثم الصبر على أفعال الله عز وجل والابتلاءات والنوازل من مصائب أو كوارث، وليقتدي المسلم في كل هذه بصبره – صلى الله عليه وسلم – فهو القدوة الذي لا يتحقق الإيمان إلا باتباعه، وليعلم أن الصبر له فوائد عظيمة، فهو يمكن الإيمان في القلوب، وهو سبب لتحصيل الإخبات والخضوع إلى الله تعالى، وسبب لنزول رحمة الله، ثم هو سبب لتحصيل الأجر العظيم. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]