ولأن مدرسة الفلاح تعتبر جامعة في مبانيها وساحاتها ومسجدها أبو قبة، حيث تخرج منها أباؤنا وأجدادنا حاصلين معها بشهادة القبة، التي حافظ عليها آل زينل إلى وقتنا الراهن. كنّا ندرس بعض مواد الدين في مسجد القبة، إن جاز لي التعبير بذلك، ولأنني لم أدرس في الكتاتيب فكنت أستشعر وأنا في ذلك المكان أني أدرس في كُتّاب آل عطية، وكانت فعلاً تعطيك شعورا أنك تدرس في ذلك الزمن الذي لم نستطعم حلاوته. كان الأستاذ علي السكري وهو مدير المدرسة في مرحلتنا الثانوية، رجلاً طويلاً رشيقاً ذا شخصية قوية وقت الحاجة، وعطوفاً لمن يشوف الطالب في حالة رعب من مدرس أو من المدير نفسه. كان الأستاذ علي كثير التردد على الفصول للوقوف بنفسه على مسيرة التعليم في هذه المدارس، التي تغص بطلبة مدرسة المشاغبين ليحاول معهم أن يركزوا على تعليمهم ويتركوا ما يلهيهم عن بناء مستقبلهم، وإذا به يرى طلبته في أعلى المناصب وفي مختلف القطاعات الحكومية والخاصة في جدة وغيرها من مدن المملكة الحبيبة. ومن رفع المعروف لمثل هؤلاء المربين الأفاضل اتصل بي قبل فترة الأخ والصديق عصام خشعان، وهو زميل فلاحي وطلب مني القيام بزياره للأستاذ علي السكري في منزله؛ رداً لجميل من قاموا على تعليمنا وتحملوا شقاوتنا ووجهونا للطريق الصحيح. طبعا انبسطت من هذا الطلب، وشكرت الأخ عصام خشعان وثمنت له هذه الرغبة، وتواعدنا ورافقنا في هذه الزيارة الأخ مروان راجخان اللي كان شاطر في الدراسة؛ وبحكم تشابه الأسماء كنت في الاختبار أجلس في الماصة اللي وراه، وطبعا الشطار كانوا يرفضوا يغششونا وياما اتضاربت معاه لهذا السبب؛ حتى غدونا أصحاب وحبايب بعد التخرج. المهم رحنا لبيت الأستاذ علي السكري – متعه الله بالصحة والعافية- واستقبلنا في غرفة عاملها مكتب له مليئة بالكتب، والذي قال عنها: إنها صديقته التي يرى أنها تؤنس وحدته. طبعا كان معظم الحوار عن المواقف والمشاغبات الطريفة، التي حصلت في عهده وكيف كان يتعامل معنا بخبرة الموجه التربوي؛ حتى جاوزنا تلك المرحلة بكل نجاح وتفوق، والحمدلله. ذكرته بالطراطيع اللي ريحتها كريهة والإبر اللي تدمع العين، وقالي دي بالذات لا يمكن أنساها لأنو فعلا عيني دمعت من قوة الإبر اللي فقعتوها في مدخل المبنى الرئيسي، وضحكنا عليها حتى إنو كلنا دمعت عيوننا من كتر الضحك ،،،، كانت الفلاح تضم بين جدرانها معظم أبناء عوائل جدة، دون استثناء فكانت أشبه بمدرسة عائلية؛ لأنها تجمع بين الإخوان وعيال العم، وعيال الخال وبين الأرحام فكان معظم الطلبة يعرفوا أهالي بعضهم وهذه من النوادر اللي تصير في مدرسة واحدة وميزة ، يندر وجودها في عالم التعليم اليوم،،،، رسالتي لكل قارئ لمقالتي هذه أن يحرص على التواصل لمن علموهم حرفاً، فلن تصدقوا فرحة الأستاذ علي السكري عند دخولنا عليه، وسعادته بهذه الزيارة، وكم من أستاذ أو موجه أو مراقب كان سببا في نجاحنا، وكم من أستاذ كان قدوة لنا في مسيرتنا العملية، بعد التخرج،،، الوفاء في مجتمعنا سمة، نفتخر بها فلنبدأ في التواصل معهم، ولنتواصل مع أصدقاء آبائنا واجداننا؛ لأن فيها مواصلة لصلة الرحم التي أوصانا بها نبينا وشفيعنا سيدنا محمد، صَلى الله عليه وسلم. وفي الختام من أراد ويرغب في زيارة الأستاذ علي السكري الاتصال بي، وأنا على استعداد لترتيب الزيارة ومرافقته لزيارته…. متعك الله بالصحة والعافية يا أستاذ علي السكري، فلا زلنا نذكر أيامك الجميلة في كل محفل ومناسبة تجمعنا بزملاء الدراسة في الفلاح العظيمة. والى لقاء قادم ..أترككم في رعاية الله، وحفظه.