في جو مفعم بالدفء، واللون كان صوته طاغيا وحضوره ملموسا، وكأنه يصافح الواقفين من الحضور، الذين ازدحم بهم المكان، وقد شعر الكثير منهم أن جهاز التكييف لم يعد يحتمل كل هذا الجمع الكبير من الضيوف فتوقف. وصلت صالة عبدالحكيم رضوي في الجمعية السعودية للثقافة والفنون برفقة الصديق عبدالرحمن اللهبي، وابنيه لحضور حفل افتتاح المعرض التشكيلي للفنانة أريج عبدالله محمد، والذي افتتحه الرائد الأستاذ طه صبان في أحد مساءات جدة من الأسبوع الماضي. ولَم يكن وصولنا متأخرا كثيرا، ولكن هالني عدد الحضور من ضيوف وفنانين، وعدد كبير من الأخوة الإعلاميين. وكالعادة، يبدأ الزائر للمعارض التشكيلية بالمرور في هدوء وتأن من اللوحة الأولى؛ حتى آخر عمل في المعرض، ثم يعود ليتملى ويتأمل واقفا أمام العمل الذي لفت انتباهه في الوهلة الأولى. عدنا جميعا ثانية أمام لوحة كانت سيدة المكان، ولاغرو ، فقد كان لها الصدارة في الصالة، لوحة بالأبيض والأسود، تعكس ملامح وتفاصيل دقيقة وكانت " بورتريه الفنان الكبير المرحوم عبدالله محمد " الذي أبى إلا المشاركة في الحضور، ليس بالصورة وحسب، بل بصوته العذب الرخيم، معيدا الحضور إلى جو الأنس والطرب الحجازي الأصيل، الذي افتقدناه اليوم. كان صوته يصدح بيننا، معلنا حضوره هذا العرس الفني، الذي أبدعته ابنته بأغنية، طالما أشبعتنا شجنا وغسلتنا وجدا، وملأت قلوبنا حميمية ورقة. أسمر عبر 0000 زي القمر في إيقاع يدغدغ الإحساس، وأداء ينتزع من فؤادك آهة، ومن لسانك إعجابا ومن نفسك تأملا واسترجاعا لكل جميل. كان في الماضي الذكريات خاصة من الذين عاصروا هذا الجمال المنسي. والمعرض يضم أكثر من أربعين عملا، نال كثيرا منها إعجاب الحضور بدليل أن لوحات عدة تم حجزها من الزوار الذين غص بهم المكان، وإن كانت بعض الأعمال في نظري تعكس حالة متكررة تعبر عن تجربة لا زالت في بدايتها حاولت من خلالها الفنانة إعطاء أفضل ما لديها في بِنَاء اللوحة وتكوين كتلتها وتشكيل مزيجها اللوني، والذي طغت عليه الخطوط السوداء بين الإنحناءة والاستقامة. الأمر الذي يتطلب مراجعات، وإعادة محاولة والخروج من نفق اللون الأسود والخطوط الحادة إلى رحابة لونية أكثر تأثيرا وتشكيلا أقرب للمتلقي في تكوينه . دعاءنا لأريج بالتوفيق في مشوارها الفني، ولعبدالله محمد بالرحمة والمغفرة.