في موسم من مواسم الحج قصد البيت الحرام نفر من قوم زيد بن حارثة فيما كانوا يطوفون بالبيت العتيق اذا هم بزيد وجها لوجه فعرفوه وعرفهم وسألوه وسألهم ولما قضوا مناسكهم وعادوا الى ديارهم اخبروا اباه حارثة بما رأوا وحدثوه ما سمعوا فأعد حارثة راحلته وحمل من المال ما يفدي به فلذة كبده وقرة عينه وصحب معه اخاه كعب وانطلقا معا يسرعان في السير نحو مكة فلما بلغاها دخلا على محمد بن عبدالله وكان ذلك قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فدعا محمد زيدا وقال: من هذان؟ قال: هذا أبي حارثة وهذا عمي كعب فقال محمد: قد خيرتك ان شئت مضيت معهما وان شئت اقمت معي فقال زيد في غير ابطاء ولا تردد بل اقيم معك قال ابوه: ويحك يا يزيد اتختار العبودية على ابيك وامك؟! فقال زيد: إني رأيت بهذا الرجل شيئا وما ان بالذي يفارقه أبداً.. فلما رأى محمد من زيد ما رأى أخذ يده واخرجه الى البيت الحرام ووقف به بالحجر على ملأ من قريش وقال: يا معشر قريش اشهدوا ان هذا ابني يرثني وارثه.. فطابت نفس ابيه وعمه وخلفاه عند محمد بن عبدالله وعادا الى قومهما مطمئني البال مرتاحي النفس، ومنذ ذلك اليوم اصبح زيد بن حارثة يدعى بزيد بن محمد وظل يدعى كذلك حتى بعث الرسول وابطل الاسلام التبني فأصبح يدعى بزيد بن حارثة لم يكن يدري زيد ان سيده الذي اثره على اهله وعشيرته هو سيد الأولين والاخرين ورسول الله إلى خلقه اجمعين. وكما احب زيد النبي وآثره على امه وابيه فقد احبه الرسول الكريم وخلطه بأهله وبنيه فكان يشتاق اليه اذا غاب عنه ويفرح بقدومه اذا عاد اليه ويلقاه لقاء لا يحظى بمثله احد سواه، في السنة الثامنة من الهجرة شاء الله تباركت حكمته ان يمتحن الحبيب بفراق حبيبه وذلك ان الرسول الكريم قد جهز جيشا من ثلاثة آلاف مقاتل لغزوة مؤتة وولى على الجيش حبيبه زيد وقال الرسول : إن اصيب زيد فتكون القيادة لجعفر بن ابي طالب فإن اصيب جعفر كانت الى عبدالله بن رواحه فإن اصيب عبدالله فليختر المسلمون لأنفسهم رجلا منهم، مضى الجيش حتى وصل الى شرقي الاردن فهب هرقل ملك الروم على رأس مائة الف مقاتل وانضم اليه مائة الف من مشركي العرب ثم التقى الجمعان على ارض مؤتة فقاتل المسلمون قتالا اذهل الروم وملأ قلوبهم هيبة لهذه الثلاثة الالاف وجالد زيد بن حارثة عن راية رسول الله جلادا لم يعرف له تاريخ البطولات مثيلا حتى خرقت جسده الرماح فخر صريعا يسبح في دمائه. فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال له احد الصحابة: ما هذا يا رسول الله؟! فقال عليه الصلاة والسلام: "هكذا بكاء الحبيب على حبيبه" واخيرا هنيئا لك زيد بن حارثه هذا الحب من رسول الله وهذه المكانة العظيمة منه عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنك وارضاك وأقر عينك بمرافقة حبيبك رسول الهدى. . جدة إبراهيم عبدالرحمن الرده