يعتبر الشيخ كامل سندي احد اساطين التغيير وتحول المؤسسات والمنظمات ليس في العالم العربي فحسب ..ولكن علي مستوي العالم .. وكان ذلك في زمن لم تكن مفردات مثل ادارة التغيير ..والتحول ورؤي المستقبل ..ومفاهيم اعداد الكوادر الوطنية ..واستراتيجيات المستقبل واستشرافه ..لم تكن تلك المفردات معروفة او مطروقة علي الاقل في ذهن المدير العربي وتطلعاته ..حيث كانت تلك الفترة تقع في نهاية ستينات القرن الماضي .. عندما تولى الشيخ كامل سندي قيادة دفة المؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية ( 1968 – 1979) اسند اليه صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبد العزيز مهمة تطوير قطاع الطيران في المملكة ..حيث ادرك سموه ببعد نظره وبحسه المستقبلي الجرئ ان المؤسسة تحتاج الي تطوير ونقلة نوعية في نظمها وادارتها واعداد كوادرها لتكون رافدا لخدمة الاقتصاد والنهضة التنموية التي تنتظرها المملكة العربية السعودية.. وكان اسناد المهمة لمعالي الشيخ كامل سندي تتويجا لذلك التوجه ونقطة تحول واشارة البدء في عملية البناء .. ووقع الاختيار علي الاستعانة بشركة طيران عالمية لادارة وتشغيل المؤسسة بغرض نقل وتوطين تكنولوجيا صناعة النقل الجوي وادارته وفق المعايير التجارية والفنية العالمية ..وتم التعاقد مع شركة – TWA الامريكية – للقيام بتلك المهمة التي تكتنفها تحديات كبيرة .. وتمخضت المفاوضات مع الشركة علي ان تتولى ادارة المؤسسة لعدد من السنين بواسطة كوادرها وخبرائها ونظمها وفق معايير الصناعة في تلك الحقبة الزمنية.. شريطة ان تنقل وتوطن تكنولوجيا الادارة والجوانب العملياتية والفنية عن طريق اعداد الكوادر الحالية .. واعداد جيل جديد من الشباب ليتبوأ مناصب ادارية تنفيذية خلال الخمسين سنة التي تلي تلك الفترة .. واعتز انني كنت احد تلك الكوادر التي قطفت ثمار هذا الاتفاق ومعي آلاف من الشباب غيري ..وكان للشركة شرط رئيسي واحد في توقيع تلك الاتفاقية وهو ان يكون معالي الشيخ كامل سندي مديرا عاما للخطوط الجوية العربية السعودية لادارة الجانب السياسي الوظيفي للمؤسسة وتيسير السبل وتذليل العقبات لتطبيق خطة التغيير والتحول ومراعاة الجوانب الوطنية والاجتماعية والبيئة المحلية للتغيير .. وتجدر الاشارة هنا ان شركة TWA كان لها بعد نظر واستشراف لقدرات الشيخ كامل سندي لادارة تلك المرحلة لما يتمتع به من قدرات ادارية عظيمة اضافة الي كاريزما شخصيته الطاغي ..لذلك كله كان اصرار الشركة علي تواجده اثناء فترة العقد لادارة تلك المرحلة الهامة من تاريخ الطيران المدني في المملكة العربية السعودية. وجاءت شركة TWA بعتادها وخبرتها ونظمها وخبرائها ..وكان عقدهم يشترط اشغال كل المناصب الادارية التنفيذية العليا بواسطة خبرائهم ..وكأي برنامج يهدف الى التغيير ..تكون هناك مقاومة له ( مقاومة التغيير) وهو الامر الطبيعي حيث ان مفاهيم الادارة الحديثة ادركت تلك الجوانب واولتها اهتماما متعاظما بوضع الحلول الادارية الذكية والصادقة لاعداد البشر لقبول التغيير وجعلهم جزءا من مكاسبه …وهنا تبرز اهمية وجود شخصية فذة تدير التحول وتراعي الجوانب البيئية والانسانية والاجتماعية في ادارة المنظمات .. فكان هناك تعاون ذكي بين الشيخ كامل سندي والسيد حمزة الدباغ لوضع برامج ادارة التغيير بالرغم من ان كلا الشخصيتين تشكلان معادلة صعبة حيث ان احدهما يمثل الشروق والاخر يمثل الغروب في دورة الحياة علي كوكب الارض ..ولكن وظيفتهما ورسالتهما النبيلة في خدمة المؤسسة وابناء الوطن تفوقت علي التباين في الرؤى ..حيث كان يجمعهما هدف سام وهو بناء مؤسسة عملاقة لخدمة بلد مترامي الاطراف يشكل النقل الجوي فيه عموده الفقري بشبكته العصبية التي تصل اشاراتها الي جميع اجزاء الجسد ..( الوطن) . وكانت الخطوة الاولى هي ابتعاث كل القيادات التنفيذية العليا في المؤسسة الى امريكا بما فيهم السيد حمزة الدباغ لدراسة علوم وادارة الطيران في جامعة ستانفورد لمدة تزيد على العام قليلا. علي ان يعودوا ويتبوأوا مناصبهم الوظيفية مرة اخرى ويكون لديهم مساعدين امريكيين يمثلون الشركة بهدف التعاون في توطين وتثبيت التحول بل وتجذيره .. وهكذا كان .. وتتابعت البعثات والبرامج التدريبية الى جانب التشغيل المحترف لعمليات الخطوط السعودية حيث اعتبرت المؤسسة في تلك الفترة وبجدارة رائدة التعليم والتعلم ..وبذلك سبقت العالم بعشرات السنين في تبني هذا الشعار.. ( التعليم والتعلم عن طريق التدريب المتواصل) لكوادرها وادارييها. ياسادة.. انني هنا لست بصدد سرد السيرة الذاتية للشيخ كامل سندي – بالرغم من ثرائها – فلقد سبقني في كتابة ذلك العشرات من الزملاء ..ولكنني قصدت ان اسلط الضوء علي احد جوانب العبقرية الادارية الفذة في فكر ورؤية الشيخ كامل سندي الذي صنع مؤسسة عملاقة بدءا من الصفر .. مدركا بحاسته العاشرة ان العولمة قادمة وان المنافسة العالمية شرسة ..وان هناك علوما متطورة ستكتنف صناعة النقل الجوي ..وان هناك عملاء لديهم متطلبات واحتياجات متباينة ومتنامية ..وان الموظفين سيشكلون قوى ضاغطة في اقتصاص حقوقهم وتلبية احتياجاتهم العادلة .. وكان الشيخ كامل سندي امام مفترق طرق لاختيار احد الاساليب والتوجهات في اعادة بناء المؤسسة ..ولقد كان اكثر الاساليب شيوعا في تلك الفترة هو جلب خبراء من كل حدب وصوب ومن ثقافات مختلفة لادارة المؤسسة الا انه ادرك بفطرته وحسه الاداري ان هذا النموذج سيسبب الكثير من صراع الثقافات الاجتماعية والادارية لاؤلئك الخبراء داخل المؤسسة وبالتالي لن يساعده هذا النمط الاستشاري علي تحقيق اهداف التطور والتحول والتوطين ..فاتجه للاسلوب الاخر وهو نظام تسليم المفتاح كما هو الحال مع عقود الانشاءات ..وهكذا كان ..وتحقق الهدف بدعم وتوجيه وثقة صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز في حكمة الشيخ كامل سندي. إن مافعله وانجزه الشيخ كامل سندي فقط في هذا الجانب يسطر في كتب قصص النجاحات لادارة المنظمات وازعم ان فكره سبق عصره بعشرات السنين حيث تحقق التغيير والتحول للخطوط السعودية دون خسائر وطنية جسيمة لقد حافظ علي مواطنيه واعطاهم حقوقهم المادية ..واتاح لهم فرص التدريب والتعليم الاكاديمي وجلب لهم احدث اساليب الادارة والنظم التي كانت سائدة في ذلك العصر. إنها قصة نجاح فذة ..وحالة دراسية ثرية يمكن لطلاب الادارة في العالم العربي دراستها والاستفادة من كل جوانبها ولو كان الامر بيدي لاخضعت تلك المرحلة للتقييم والنقد والاستفادة منها بنقل نتائجها للقيادات المختلفة في مرحلتنا الوطنية الحالية ونحن نخطوا خطواتنا الاولى في تنفيذ رؤية 2030. الشيخ كامل سندي لم يرحل ولم يمت فانه يعيش في وعي ووجدان اجيال عديدة قادمة لانه ترك لنا ثروة ننهل منها لسنين عديدة وتجربة ادارية تعتبر من كلاسيكيات علوم الادارة. إن العالم يتغير.