غيّب الموت الكابتن أحمد مطر، مدير عام الخطوط السعودية سابقًا، على إثر مرض عضال عن عمر يقارب السبعين عامًا.. والكابتن مطر التحق بالخطوط السعودية في مرحلة مبكرة من حياته وكان من أوائل الطيارين السعوديين الذين تدرجوا في مهنة الطيران حتى وصل إلى قمة الهرم الإداري بنيله ثقة الدولة، وتوليه إدارة المؤسسة بعد انتقال الشيخ كامل سندي إلى منصب مساعد وزير الدفاع والطيران لشؤون الطيران المدني. وقد شغل منصب المدير العام على مدى خمسة عشر عامًا في أهم مراحل نمو وازدهار الخطوط السعودية. عرفتُ أحمد مطر عندما كنت طالبًا للهندسة في لندن بواسطة -زميل الطفولة الكابتن جزاع غانم الشمري- زميل وصديق الكابتن أحمد من بداية مشوار الطيران. ومن المقابلة الأولى بين طيار محترف، وطالب هندسة في الجامعة، شدني أدب الكابتن أحمد، وهدوئه ودقته فيما يقول، وأسلوب تفكيره المنظم. وبعد التخرج والتحاقي بالطيران المدني اشتركت معه في لجنة التنسيق -لتحسين خدمات الملاحة الجوية- بين الطيران المدني والناقلات الجوية التي تمثلها الخطوط السعودية في ذلك الوقت، حيث كان يشرف على تلك اللجنة الخبير بيتر دبر وين -هولندي الجنسية- من قبل منظمة الطيران المدني الدولي (الايكاو)، وكنت في ذلك الوقت أتدرب على نظم الملاحة الجوية وفنون الطيران وصناعة النقل الجوي. وما زلتُ أتذكر تلك النصيحة التي أسداها لي الخبير الهولندي الذي قال: «انظر إلى هذا الطيار السعودي الفريد من نوعه، وحاول أن تتعلم منه، إن له مستقبلًا عظيمًا في صناعة النقل في بلادكم». ومن تلك اللحظة استمرت العلاقة بيننا. وعندما عين الكابتن مطر مديرًا عامًا للخطوط السعودية، المنصب الذي استمر فيه لمدة خمسة عشر عامًا، شهدت الخطوط خلالها تطورًا مذهلًا في كل دوائرها، من تدريب طيارين، إلى زيادة عدد الأسطول والمحطات المحلية والدولية، ورفع مستوى الأداء، وسعودة معظم الوظائف الإدارية والفنية في المؤسسة. وبعد تعييني في منصب مندوب المملكة الدائم لدى منظمة الطيران المدني الدولي بكندا تواصل اللقاء في كل مناسبة يحضرها في «مدينة مونتريال» للمشاركة في مؤتمرات منظمة الطيران المدني الدولي (الايكاو)، ومنظمة النقل الجوي الدولي (الاياتا) التي تقام في مقر المنظمتين في مدينة مونتريال بكندا، وكذلك الحال عند عودتي إلى المملكة. والكابتن أحمد كان متمكنًا من فهم متطلبات صناعة النقل الجوي في كل جوانبها الفنية والاقتصادية والتشغيلية، وكان له حضور مميز بين عمالقة الصناعة في المحافل الدولية، وكان رحمه الله رجل طيران من الطراز الأول مهنيًا وإداريًا، قد تختلف معه على تفاصيل مهنية معينة، ولكنه كان يحرص على أن تظل النتائج لخدمة سلامة الطيران، وتحسين الخدمات حسب متطلبات الصناعة. كان رجل مجتمع وعلاقات إنسانية متميز في داخل المؤسسة وخارجها، لم يغيره المنصب، ولم يتنكر للزمالة، ومن عرفه لم يتنكر له حتى بعد ترجله من منصب المدير العام. وفي الختام.. أتقدم بخالص العزاء والمواساة لأسرته، ولمجتمع الطيران المدني في الفقيد، وندعو له بالرحمة والغفران، ولذويه بالصبر والسلوان.. (إنا لله وإنا إليه راجعون).