الأربعون في العمر ؛ هي بمثابة القمة في الجبل الأشم ، ما قبلها كان سفحاً صاعداً ، وما بعدها بالتأكيد هو السفح الهابط ، إن كنت عزيزي القارئ في مثل عمري فأهلاً بك رفيقاً نحو ذاك المنحدر ، لا شك أن الصعود قد أعياك كما أعياني ، لكن اطمئن ؛ يقول من سبقونا لهذا المكان أننا سندخل في حالة ( اصطماخة ) ذهنية تسمى التغافل ؟! معظمهم يقولون إن هذه الاصطماخة هي سمة المدحدرين نحو السفح الآخر ، السفح الذي لم يعد في مقدورنا معه التشبث بأي تفاهات عابرة ، تلك التفاصيل الصغيرة التي كنا نعدها هموماً حتى أرهقتنا ، ماركة العطر ، لون الحذاء ، نوع القماش الذي سنصنع منه أثوابنا ، متابعة أخبار الفريق المفضل ، النقاشات الحادة في المجالس ، الرغبة في إبهار الحاضرين ، تحويشة السفر في الصيف ، كلها باتت منذ الآن مجرد خربشات ساذجة في دفتر العمر ، لعلهم صدقوا ! فهذا ما أراه في تلك الأمور من هنا ، من هذا العلو الشاهق . لكنني سأقترح عليك ما سأقوم به حيال ذلك السفح الذي تركناه خلفنا ، لا تلتفت إليه كثيراً بالحسرة والندم ، فما ينتظرنا في المنحدر الآخر أهم بكثير من البكاء على كل مسكوب من أقداح طاقاتنا قبل هذا اليوم ، بالنسبة لي سأكون متفائلاً ، يكفي أن حياتي لم تنته عند هذه الدفة من العمر ، فحين تكتشف أنك لست الدفتر ذي الأربعين ورقة ستدرك حتماً مثلي كم أنت محظوظ ! فالغلاف الأخير لم يحل بعد ، وهذا يعني أن في مقدورك أن تعيد كتابة بقية الصفحات ، ربما أنها صفحة واحدة وربما أنها أربعون أخرى ، لا يهم ؛ المهم أن تكون البدايات بعد حمد الله والثناء عليه ترتيب فوضى الأربعين الماضية ، رتب الأشخاص في حياتك ، الأوليات ، الأسماء ، ولا تنس أن تعيد تعريفك لمفهوم الرزق ، لا تجعله معلقاً بعرقوب المال والعمارات فقط ، فالحب الذي تلقاه في عيني أبنائك رزق ، وصفاء القلب الذي تكنه في حنايا صدرك رزق ، والسكينة التي تجدها بين ظهراني أسرتك رزق ، حتى قدرتك على العفو والتسامح وإحسان الظن رزق في رزق ، باختصار .. إن كان سفح أعمارنا بعد الأربعين هبوطاً في الحماس وانحداراً في الصحة فاجعله على الأقل صعوداً في النضوج ، ورقياً في التفكير ، وتسلقاً لراحة الضمير ، والأهم من كل ذلك .. اجعله تحليقاً في فضاءات رضوان الله عليك . Abha/Tanouma61899 /P.O:198 [email protected] مرتبط