غيّب الموت الشيخ حسن المشاري وزير الزراعة والمياه الأسبق في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز عن عمر يناهز 90 عاماً. وقد اعتبر "المشاري" أحد أهم من عملوا على تنظيم الجهاز الإداري في المملكة، من خلال عمله وكيلاً لوزارة المالية وعضويته للجنة العليا للإصلاح الإداري 1383ه. وبمتابعة التاريخ الإداري والاقتصادي في المملكة العربية السعودية، خصوصاً ما شهدته السعودية في مطلع الستينات الميلادية من برنامج للتحول الاقتصادي والإداري، يتبين أن الشيخ حسن المشاري، كان أحد الكفاءات السعودية التي أدارت مشروع الإصلاح الاقتصادي والإداري بكل كفاءة واقتدار، من خلال موقعه وكيلاً لوزارة المالية والاقتصاد الوطني، وموقعه في معهد الإدارة العامة نائباً للرئيس، وعضويته في لجان الإصلاح الإداري، ثم موقعه وزيراً للزراعة والمياه لمدة 11 عاماً. حصل على شهادته المتوسطة في عام 1365ه، وكان ترتيبه السابع مكرر، من بين 37 طالباً.وفي عام 1368ه، حصل على الشهادة الثانوية التي تؤهله للدراسة في الخارج، وكان من زملائه في الدراسة في مكةالمكرمة: إبراهيم العنقري وعبدالعزيز الخويطر وناصر المنقور، وعبدالوهاب عبدالواسع وعبدالرحمن آل الشيخ وعمر فقيه وأحمد زكي يماني ومحمد الفريح، وغيرهم. القاهرة ولندن: ومن مكةالمكرمة إلى القاهرة، حيث التحق "المشاري" بجامعتها "جامعة فؤاد"، في كلية التجارة، وتخرج فيها عام 1953م، متخصصاً في المحاسبة، وعاد إلى وطنه ليساهم في خدمته، بدءاً من أول وظيفة عمل بها، وكانت في شركة أرامكو مستشاراً في إدارة العلاقات الصناعية، لمدة سنتين ونصف السنة تقريباً. وبعد ذلك سافر إلى بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية ومواصلة دراسته في الماجستير، لكنه بعد فترة اضطر لمغادرة بريطانيا والتوجه إلى أمريكا، وذلك بسبب نشوب حرب السويس عام 1956م، وتحويل الطلبة المبتعثين في بريطانيا إلى أمريكا، فانخرط في جامعة جنوب كاليفورنيا.وحصل فيها على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال الصناعية، وكان موضوع رسالته "تحليل مفاوضات عقود الزيت بين المملكة العربية السعودية والشركات الأجنبية". العمل الإداري: بعد حصوله على شهادة الماجستير، عاد حسن المشاري إلى وطنه، وتعيّن مديراً عاماً لشركة أسمنت اليمامة بالرياض فترة من الزمن لم تدم طويلاً، إذ صدر الأمر بتعيينه وكيلاً لوزارة المالية والاقتصاد الوطني للشؤون المالية، وذلك في تاريخ 29/7/ 1380ه (1960م) براتب قدره خمسة آلاف ريال. وبعد إنشاء معهد للإدارة العامة في عام 1380ه، انضم حسن المشاري إلى عضوية مجلس إدارة المعهد بصفته وكيلاً لوزارة المالية والاقتصاد الوطني، وكان المجلس يرأسه وزير المالية والاقتصاد الوطني ونائبه حسن المشاري ووكيل وزارة المعارف ومدير عام ديوان الموظفين ومدير عام معهد الإدارة محمد أبا الخيل. وقد لعب حسن المشاري مع زميله محمد أبا الخيل دوراً مهماً في بناء المعهد وتمكينه من تحقيق أهدافه، حينما تقدما إلى مؤسسة فورد من أجل تزويد المعهد بمستشار إداري متفرغ، وذلك في عام 1381ه ( 1961م)، حيث بعثت المؤسسة الكولونيل شاه، رئيس الخدمة المدنية في باكستان. كما كان لحسن المشاري دوره حينما قامت وزارة المالية والاقتصاد الوطني حينذاك بالتعاقد مع مؤسسة فورة الأمريكية لإعادة تنظيم الجهاز الإداري في المملكة، وذلك في عام 1383ه (1963م)، حيث صدر لاحقاً أمر ملكي بتشكيل اللجنة العليا للإصلاح الإداري، التي تولّت تنظيم الأجهزة الحكومية. وفي 11 من شهر صفر 1384ه، صدر أمر ملكي موقع من الملك فيصل بن عبدالعزيز بتعيين حسن المشاري وزيراً للزراعة، فانتقل بذلك إلى موقع آخر، وودّع زملاءه في وزارة المالية والاقتصاد الوطني، وخلفه في المنصب زميله وصديقه محمد بن علي أبا الخيل. وفي وزارة الزراعة والمياه؛ عمل حسن المشاري على إرساء دعائم النهضة الزراعية التي شهدتها المملكة في شتى مجالات الإنتاج الزراعي والنباتي والحيواني وفي مجال المياه، الجوفية والمحلاّة. وكانت هذه الدعائم هي بداية الانطلاق نحو برامج تنموية زراعية.وقد وصفه المؤرخ الدكتور منير العجلاني في عام 1386ه، بأنه شاب ذكي ونشيط، وأدار حواراً مطولاً معه عن مشاريع الوزارة التي نفذتها، والتي هي تحت التنفيذ، وهو حوار موثق في كتابه: "تاريخ مملكة في سيرة زعيم: فيصل". وقد شهدت وزارة الزراعة والمياه في تلك الفترة، وبإشراف من وزيرها، إعادة تنظيم جهازها الإداري والمالي، فتم تسمية الوزارة لتكون "وزارة الزراعة والمياه" حيث أُضيفت إليها مهام قطاع المياه، وتم تقسيم الوزارة إلى ثلاثة قطاعات، هي قطاع الزراعة، وقطاع المياه، والقطاع الإداري. وعكف حسن المشاري في مكتبه طويلاً مع خبرائه من أجل استكمال الدراسات الخاصة بمصادر المياه.وتمت الاستعانة بخبراء من منظمة الأغذية والزراعة الدولية للمساهمة في تصميم وتنفيذ البرامج المطلوبة، حيث تم تقسيم أراضي المملكة إلى عدة أقسام على أُسس علمية، وتم إعداد مشروع خريطة عامة للتربة في المملكة. وحققت الوزارة مشاريع كبرى في مختلف أنشطتها في عهده. وكان حسن المشاري من المستشارين الخاصين للملك فيصل، يستشيره ويثق برأيه وكان يصحبه في كل مؤتمراته الداخلية والخارجية. وفي عام 1394ه، صدر أمر ملكي بإنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، ويُعد حسن المشاري، بصفته وزيراً للزراعة والمياه، أول رئيس لمجلس إدارتها.