الخطوة الاستراتيجية الهامة التي كشف عنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ، بتأسيس المملكة لأضخم صندوق سيادي في العالم بمبلغ تريليوني دولار، تعكس أكثر من جانب لحكمة السياسة الاقتصادية للمملكة وقوة اقتصادها رغم تراجع المداخيل النفطية كبقية الدول المنتجة، واستمرار حالة الركود العالمي رغم انخفاض اسعار النفط الذي يضر بطبيعة الحال بمصالح المنتجين لكنه في نفس الوقت لم يكبح جماح التضخم بالأسواق العالمية. لقد شهد عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- تطويرا نوعيا للكثير من الأنظمة وتحديث أجهزة الدولة ، يقوم عليها مجلس الشؤون السياسية والأمنية ، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ، وقد أنجز المجلسان خطوات ناجحة لتفعيل مؤسسات الدولة والتعامل مع قضايا التنمية الاقتصادية والبشرية برؤية علمية استراتيجية مدروسة أنتجت العديد من القرارات الحيوية. وفي هذا الاتجاه فإن الصندوق السيادي يمثل برنامج ادخار وطني لجأ إليه عدد من الدول لهذا الغرض، كما أنه يعتبر رصيد أمان للاقتصاد من الهزات الواقعية أو المحتملة ، خاصة في حال الاعتماد الأكبر على المداخيل النفطية المعرضة لمراحل صعود وهبوط على ضوء العرض والطلب في الأسواق العالمية. كما يمثل الصندوق السيادي أيضا رصيدا إضافيا إلى جانب الاحتياطي النقدي المباشر في دعم قوة الريال ، في الوقت الذي اهتز فيه عرش عمولات عالمية لتكتلات اقتصادية ودول كثيرة، والميزة الثالثة للصندوق كونه بمثابة شريان استثماري ضخم يحفز الاستثمارات، بتوجيه نسبة من رصيده للاستثمار في الداخل والخارج وبأعلى مستويات الأمان، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي للمملكة ويدعم قدرتها في حركة الاقتصاد العالمي كعضو فاعل في مجموعة الدول العشرين الأكبر اقتصادا في العالم. المحصلة في هذا الجانب أن الصندوق بأهدافه الطموحة كأكبر وعاء ادخاري سيادي في العالم، سيسهم بدرجة كبيرة في تنويع الاستثمارات والتحول التدريجي من الاقتصاد الريعي الذي يقوم على مصدر رئيسي وهو مداخيل النفط بنسبة تفوق 80% إلى اقتصاد متعدد المصادر يكون فيه الصندوق السيادي قاطرة قوية لتسريع هذا التحول لما بعد الحقبة النفطية ،كما أن الاستثمارات الكبرى ستسهم في توطين التقنيات الانتاجية الحديثة والصناعات المتطورة عبر الشركات العملاقة ، ومن ثم زيادة دوائر ومجالات التوظيف المتنوع للكوادر السعودية ونقل الخبرات. نقطة أخرى تتعلق بالسياسة البترولية أشار إليها سمو ولي ولي العهد – حفظه الله – وهو حرص المملكة على استقرار السوق البترولية والوصول إلى التوازن السعري لصالح الدول المنتجة والمستهلكة على السواء، لكن بشرط التزام الدول المنتجة الرئيسية داخل أوبك وخارجها، ودون هذا الالتزام يصعب أن تتحمل المملكة من مداخيلها فارق خفض الانتاج، بينما دول أخرى منها إيران على وجه الخصوص لا تلتزم بخفض الانتاج ، وبالتالي سياسة المملكة في هذا الشأن واضحة بضرورة التزام جميع الدول المنتجة من داخل اوبك وخارجها خاصة إيران بتثبيت الإنتاج ، وقد شدد سمو ولي ولي العهد على ذلك ، بأنه في حالة الالتزام جميع الدول بسقف الانتاج وتثبيته ، فستكون المملكة معهم. وهكذا يرتبط بالصندوق السيادي حزمة من الأهداف الطموحة لدخول الاقتصاد السعودي حقبة مابعد النفط خلال عقدين ، هما فترة وجيزة في عمر الشعوب والدول ويتطلب ذلك زيادة اسهام القطاع الخاص جنبا إلى جنب مع الخطوات الكبيرة الواثقة للحكومة الرشيدة.