تكتسي منطقة الباحة هذه الأيام حُلةً خضراء تُبهج ناظر مرتادي جبالها وسهولها ووديانها بعد أن ارتوى ترابها من الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة في الأيام القليلة الماضية، في حين دفعت برودة الطقس سكان سراة الباحة والسيّاح إلى النزول لتهامة بحثا عن أجواء الدفء المفعمة بقطرات الندى. ورسمت الشلالات المنحدرة من بين جبال الباحة الشاهقة التي تربط السراة بتهامة لوحة بانورامية جذّابة أسرت النفوس الحاضرة لمشهد الطبيعة التي ازدانت جمالا مع اختلاجها ببخار الضباب الذي لامس الأرض تارة وعانق جبالها تارة أخرى متغلغلا في سيره بين أشجار العرعر التي تزيد المكان عطرًا جعل النفس تتنسم عليلها وتهيم سابحة في أفق الطبيعة، متجاوزة محيط حدود الخواطر البشرية. وتتميّز الباحة ومحافظاتها بالتنوع النباتي الذي يشمل أشجار : العرعر، والطلح، والزيتون، والعتم، والنباتات العطرية مثل : الحبق، والنعناع، والكادي، والريحان، والبعيثران، إلى جانب النباتات العشبية الحولية التي تعتمد على موسم الأمطار. ورصدت عدسة "واس" مكونات هذه الطبيعة البِكر عبر صور فوتوغرافية متنوعة لتتيح للمشاهد في كل مكان من الأرض فرصة التفكر في ملكوت الله عز وجل واستشعار عظمته سبحانه وتعالى في خلقه، وفي الوقت ذاته معرفة ماتتمتع به المملكة من مقومات بيئية تزخر بعناصر تضاريسية ومناخية مختلفة مثل : طبيعة منطقة الباحة التي وهبها الله حُسن المكان والأجواء. وتجه أنظار أهالي سراة منطقة الباحة إلى القطاع التهامي للمنطقة الذي يشهد أجواءً دافئة تقلل من وطأة برد السراة وتستهوي مرتاديه من المتنزهين الذين يبحثون عن الاستمتاع بطبيعة تهامة التي اكتست معالمها بالخضار بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت عليها خلال الفترة الماضية . وأقامت إمارة منطقة الباحة مهرجاناً ربيعياً يضم حزمة من الفعاليات والبرامج التي تلامس مختلف شرائح المجتمع استعداداً لاستقبال زوار تهامة التي تبعد 46 كيلومتراً عن مدينة الباحة. وفي إطار الاستعدادات الجارية لاستقبال الزوار والمتنزهين بقطاع تهامة، عكفت محافظتي المخواة وقلوة والمراكز التابعة لها في وضع الخطط والبرامج لاستقبال آلاف المتنزهين , فيما تتواصل الاستعدادات بشكلٍ خاص في محافظة قلوة المعنية بتنظيم مهرجان الربيع لهذا العام الذي تتناوب عليه المحافظتين سنوياً , ومن المتوقع إطلاقه نهاية شهر ربيع الأول الحالي. وللقطاع التهامي بمنطقة الباحة ميزة فريدة تكمن في التنوع المناخي والبيئي لمحافظاتها الأربع , ما جعل منه محط أنظار الزوار إذ يجمع موقعه الذي يمتد ما بين سواحل البحر الأحمر غرباً وحتى قمم جبال السروات شرقاً العديد من الأودية الجارية والسهول الخضراء التي يقف عليها جبل شدا بشموخه وروعة مطلاته المليئة بالمناظر الخلابة التي تأسر النفوس .وتمثل الأودية المليئة بالمياه والخضرة جزءاً مهماً من الهوية السياحية للقطاع التهامي , ومن أبرزها وادي عليب الذي يبعد عن محافظة الحجرة نحو 10 كيلو مترات ووادي الخيطان الواقع في أسفل عقبة الأبناء جنوب محافظة بلجرشي وغيرها من الأودية الأخرى المنتشرة في القطاع . ويحتضن القطاع التهامي إرثاً حضارياً وثقافياً مهماً ، حيث يشتمل على العديد من المواقع الأثرية , مثل قرية ذي عين التراثية التي بُنيت على قمة جبل من المرمر الأبيض , يحاط به مجموعة من المزارع التي تُسقى من عين القرية العذبة , وكذا قريتا الخلف والخليف اللتان تبعدان قرابة 5 كيلو مترات عن شمال محافظة قلوة ون تضمان العديد من النقوش الإسلامية التي أرجعها المؤرخون لأواخر القرن ال 8 وأوائل القرن ال 9 الهجريين . ويشهد شتاء القطاع التهامي عامةً حضور منتجات أراضيها الزراعية وصناعاتها التقليدية الخفيفة التي تكتظ بها الأسواق ، إلى جانب انتشار المراكز والوحدات السكنية الجديدة والفنادق والاستراحات بشكل ملحوظ , مما يُبرز السياحة كرافد اقتصادي مهم ، إلى جانب تميز قطاع تهامة بالمطاعم الشعبية المنتشرة التي تشتهر بالأكلات الشعبية كالعصيدة والمرق والحنيذ والمندي والمظبي والشواء بمختلف أنواعه . ووجه صاحب السمو الملكي الأمير مشاري بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة الباحة في هذا الصدد الجهات المعنية في محافظتي المخواة وقلوه بتهيئة أماكن التنزه وتوفير الاحتياجات الضرورية للزوار والمتنزهين ، إضافة إلى تكثيف عمل الجهات الأمنية في المتنزهات وعلى امتداد الطرق وتيسير حركة السير سعياً من سموه لتوفير أفضل وأرقى الخدمات للباحثين عن الدفء . وفي السياق ذاته كثّفت بلديات محافظتي المخواة وقلوه من جولاتها على المحلات التجارية والمطاعم لمتابعة نظافتها ومدى تقيدها بالأنظمة الصحية , كما جهزت مختلف المتنزهات والحدائق بالجلسات العائلية وألعاب الأطفال حرصاً على تهيئة الأجواء المناسبة لزوار القطاع .