رأيتها وقد دانت منها ملامح الضعف.. تمسك بدفاترها وأدوات الهندسة للرياضيات يسبقنها الصغيرات ببراءة الطفولة وحب التقدير للمعلمة .. كانت في مرات كثيرة تدفع عربة وضعت فيها عارضا ضوئيا ومكبر الصوت ومستلزمات الشرح من أقلام وملصقات .. لم تشتك يوما .. رأيت في عينيها الألم ونظرة واهنة لم أكن أدرك سرها .. وكنت أعزوها للإجهاد .. كنت حين أراها أبتسم إجلالا لها و شفقة عليها .. لم كل هذا البؤس ؟ .. كانت تغيب عن العمل مجبرة وكانت تحكي لي عن خوفها من الغياب فحصة واحدة من الرياضيات تغير خطتها في تقسيم المنهج .. كانت تتحمل أعباء الحصص المرتفعة 20 حصة ولم تسلم من حصص النشاط والريادة كل أسبوع .. مضت شهور وهي على هذه الحال .. وبقي السؤال يشغلني لم هذه النظرة الكسيرة في عينيها .. قليلا ما أراها تبتسم أو تفرح .. الكآبة ترسم حولها السكن لتخلد إليه كلما دخلت غرفة المعلمات .. غالبا ما تجلس بانفراد .. ألمحها أثناء دخولي الغرفة . جاءت اللحظة التي أثارت في داخلي موجة حزن و خيبة من هذا الواقع أو بالأصح من قلوب يصوغها النظام و تحركها عقارب الالتزام بما هو مدون في الأوراق .. بدت لي تلك القلوب جامدة جدا جوفاء بلا نبض بلا مشاعر وإن كانت تنبض فقط لتعيش الحياة بطريقتها هي بكل ما تود ! .. من عجيب اللحظات أن تعرف مصادفة حقيقة ما كان يشغلك دون أن تسأل .. صديقتي المقربة تحدثت عن معلمة الرياضيات بعين الشفقة وحسرة المرض الخطير الذي أصابها منذ 3 سنوات .. ! صدمت للحظات .. وصمت بدون كلام .. كنت أود فقط أن أحبس دموعي .. والسؤال الذي طرحته حينها ولم لا يراعونها ! لم كل هذ التثقيل عليها .. لم تلقى عليها الأعباء وهي صابرة .. تتعفف عن رجائهم ، هذا هو الواقع حين لا تجد قلوبا حانية .. حين يكون هناك بشر لكن بملامح الآلة الصماء .. لا عطف لا إحسان .. حين تكون الأنانية حاضرة تتشاءم من هذا الوجود .. أجابت صديقتي في هذا الزمن لا تجد أحدا يهتم إلا بنفسه .. قلت لا .. الأخيار موجودون وذوو القلوب الجميلة لابد حاضرون .. شعرت أنها تؤمن بوجهة نظرها وأنها تود لو تقول لي أنت تغردين بحنان خارج هذا السرب ! تبقى الرسالة التي أود أن أوجهها لكل مسؤول في التعليم .. قلبك البشري الذي تحمله يجب أن تتحرك فيه مشاعر الرحمة والرأفة والإنسانية .. فالمرض تنحني عنده كل القلوب الخاشعة .. لا ينبغي أن يتساوى من عندهم مرض خطير ينهش أجسامهم فلا يبقي لأحلامهم رمق التفاؤل بمن هم في كامل عافيتهم .. هم يعانون فلا أقلها أن نكون بجوارهم في أيام وسنوات توديعهم للحياة للعمل وكل شيء بقدر الله تعالى ومهما كان صبرهم فإنه نافذ ، فلنعطهم مساحة الأمل بأننا معهم بقربهم نرعاهم وهم في عيوننا وقلوبنا .. رجاء ارسموا البسمة على شفاه أنهكتها حسرة الأقدار وقساوة البشر!.