حين غدوتُ كالحديقة الميتة وقد افتقدت كلَّ شيءٍ حيّ أسئلةٌ توقّفت في حنجرتي كخاثرة دم .. كيف لي أن أشجّرَ هذا الجماد الذي غلّفني؟ كيف لي، أنا المنكسرة كالموج، ألاّ يضيع النداء الذي يتفرّع بين شفتيّ أنشودةً لاقتياد الصباح؟ كيف لي أن أستقلَّ شراع الحياة قبل أن أصافح وجه التراب بعد انتظار؟ كثيرةٌ آمالي التي تفرُّ من أصابعي .. أراها تمدُّ خطوط كفّيها إلى المحال، تنمو الحيرة كالظلال فوق وجهها وتضجُّ بالسؤال. كم من دروبٍ تمنيتها مفروشةً بغناء المسافات ..! طويلاً ما كنتُ أتأملها: موحشةً كقبرٍ، مطعونةً بالوحدة .. تمرٌّ الفراشاتُ بها متعبةً وقد أفاقت على أجنحتها أدمعٌ ساكنات ..! كانت تريني آفاقها، وفوق حجارتها تنفّس لحن الحياة وفي سمائها تفتّح للشمس قبل أن تستريحَ إلى غفوةٍ ألفُ باب ..! هي الروحُ بأبوابها المُغلقة، تنحني كقصبةٍ مرتجفةٍ في الرياح كأغنيةٍ وحيدةٍ تكاد أن تنتهي، كفلاحٍ لم تمطر غيمته .. كقلبٍ يُغالبُ برودة الصقيع ليعلن: أحبك. أريدُ أن أمضي، أن يبدّدَ عطركَ وحشة هذا الليل الداكن، أن أكونَ ورداً أو غصناً من زيتون .. أن أرفَّ أملاً، أن أكونَ أغنيات اللحظة أو بريقاً تعشقه العيون .. أريدُ أن أمضي، أن أصغي إلى صوتك يهمسُ كنايٍ، يُشرق كشمسٍ في غابةٍ بعيدة .. أن أبدّدَ حزنكَ المعتّق مثل الليالي الطويلة .. للمرة الأخيرة، سأتركُ الأبواب المغلقة ورائي دونما حسرة، وسأنطلقُ مبتهجةً .. ربما استطعت أن أرى في العتمة قوس قزح، ربما نظرتُ في عينيك فرأيتُ سهول العمر وشطآن هذا الكون .. ربما أطلّ وجهكَ كرؤيا فلمحتُ فيه أصدق ما يمكن أن يكون .. ربما وضعتُ رأسي على كتفك فاطمأنت كطفلةٍ وأشتعل كل حنان الأرض .. ربما حدث هذا كله ورحتَ تُصغي إلى نبض قلبك ولم تسمع سوى الأغنية التي استوطنت في الشرايين .. ربما حدث هذا كله لأن لا أبواب تفصلُ ما بيننا ولا جدران تبتلعنا كضمادٍ على جرح ..! في النور الأبدي، كما في الحلم، سننشدُ معاً أغنياتنا بين الأرض والسماء .. وسنسمعُ كيف تتساقط الأبواب المغلقة منهارةً فوق العالم كله. للكاتبة ميساء هاشم لبنان