كان البريد يمثل في وقت مضى أهمية كبيرة لمعظم الناس، فقد كان هو طريقة التواصل الوحيدة بينهم، فسواد "ساعي البريد" لا يكاد يفارق أعينهم بدراجته الهوائية، كما أنَّهم يحتاجون إلى مراجعة مكتب البريد على الدوام من أجل مراسلة قريب أو صديق تحيل بينهم وبين رؤيته مسافات طويلة، فيدفعون بالرسالة إلى موظف البريد ويدفعون معها الرسوم ويمضون وهم في شوق إلى سماع طرقات "ساعي البريد" بعد بضعة أيام محضراً رسالة جوابية لهم، لذا لا غرابة في أن يتغنوا به في أشعارهم ويطغى على أحاديثهم، فها هي إحدى الأغاني المنتشرة في ذلك الوقت توثق ذلك الحدث، حيث يقول مطلعها: كلمه ولو جبر خاطر ولا سلام من بعيد ولا رسالة يا هاجر من يد ساعي البريد ظرف الرسالة عند إتمام كتابة الرسالة والفراغ من ذلك لابُدَّ أن توضع في "ظرف"، ومن ثمَّ تُغلَّف جيداً بال "غراء" الموجود بها قبل أن تُسلَّم لموظف البريد، وكان "ظرف" الرسالة الدارج في ذلك الحين والمتعارف عليه هو ذو اللون الأبيض المائل للزرقة وفي جوانبه خطوط تحمل اللونين "الأزرق" و"الأحمر"، ولا يزال البسطاء من الناس، خصوصاً العمالة الوافدة يستخدمونه حتى يومنا هذا، وبعد أن توضع الرسالة في ال "الظرف" يكتب اسم المرسل إليه في يمين ال "ظرف" بعد أن ينزل مقدار أصبعين؛ ليُمكن موظف البريد من لصق ال "طوابع" فوقها، أمَّا اسم المرسل فيُكتب في يسار الظرف بخط واضح مقروء، وبذلك تكون الرسالة جاهزة لتسليمها لموظف البريد، الذي يسأل صاحبها: "هل تريد أن ترسل الرسالة ب (العادي) أو (المُسجل)"؟، فيختار المرسل أحدهما، حيث يُعدّ البريد ال "عادي" أقل رسوماً من ال "مُسجل"؛ لأنَّه يتم الاستلام دون الحصول على إيصال استلام، ممَّا يعني أنَّ البريد ليس مسؤولاً عن عدم وصول الرسالة إلى الشخص المرسلة إليه، وهو أمر نادر الحدوث، على عكس ال "مُسجَّل"، إذ يتم ضمان وصول الرسالة إلى صاحبها، وإن لم تصل إليه، فإنَّ البريد يعيدها إلى صاحبها الأول الذي أرسلها. طوابع البريد تعني "طوابع" البريد دفع قيمة رسوم إرسالية البريد التي تستوفى مسبقاً من المرسل، وكانت رسوم البريد في السابق قبل اختراع الطوابع تستوفى من المرسل اليه بعد أن تختم من الخارج بختم من "الشمع الأحمر"، وكان يقدر الثمن على حسب المسافة وعدد الأوراق، وهناك قصة طريفة لإلغاء هذا النظام، وهي أنَّه في إحدى الدول الأوروبية كان هناك أخ وأخت يتبادلان الرسائل بينهما حسب هذا النظام، بحيث أنَّ المستقبل للرسالة يدفع الرسوم، ففكرا في طريقة للتهرب من دفع الرسوم وعملا حيلة بأن يكتب كل منهما عبارة مختصرة خارج الرسالة بعد طيها تفي بما يوجد بالرسالة، حتى إذا جاء ساعي البريد ليُسلم الرسالة يقرأ المرسل إليه الرسالة دون أن يفتحها ويعتذر عن استلامها لعدم الحاجة, وقد تكرر هذا العمل أكثر من مرة حتى أنَّ "ساعي البريد" شكَّ في الأمر وأخذ يستمع إلى حديث الأخت مع والدها عن الرسالة، فعرف كيفية وصول المعلومة إلى الأخت، فكانت قصة ابتكار ال "طابع"، حيث طبعت "بريطانيا" أول طابع بريد في العام (1840م) من لونين، الأسود من فئة "بنس" واحد للرسائل الخفيفة، والأزرق من فئة "بنسين" للرسائل الثقيلة، ومنذ ذلك التاريخ بدأت جميع دول العالم إلى اليوم في استخدام الطوابع لاستيفاء الرسوم مقدماً. أول طابع سعودي أصدرت المملكة العربية السعودية أول طابع تذكاري في ذكرى الجلوس الملكي تحت مسمى "بريد الحجاز ونجد"، ويمثل ذكرى انتصار الملك عبدالعزيز –رحمه الله- ونجاحه في توحيد الأراضي السعودية "الحجاز" و"نجد" وتنصيبه ملكاً على "الحجاز" وسلطانا ل "نجد"، وكان تاريخ إصدار هذا الطابع في الثامن من "شعبان" لعام (1348ه)، كما تمَّ إصدار أول طابع بريد يحمل اسم "المملكة العربية السعودية" في عام (1356ه)، وهو إصدار ولاية العهد للأمير سعود بن عبدالعزيز، ولتخليد المناسبات الوطنية صدر أول طابع تذكاري يحمل ذكرى الجلوس الملكي، ويظهر فيه شعار المملكة "سيفين" و"نخلة"، وتعد هذه المجموعة من الطوابع أغلى إصدار بعد إعلان توحيد "المملكة العربية السعودية"، كما أنَّها تُعد من أندر الطوابع السعودية، ويصل سعر طابع ولاية العهد للملك سعود بن عبدالعزيز بين هواة الطوابع إلى آلاف الريالات، واستمر إصدار الطوابع التي تحاكي واقع المملكة السياسي والاجتماعي والديني، وصدرت عدة طوابع منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا. هواة المراسلة عاش كثير من الناس ذكريات جميلة مع البريد، حيث كان الوسيلة الوحيدة للاتصال بالآخرين، سواءً المؤسسات أو الأفراد، وكانوا يتراسلون فيما بينهم عن طريق القراءة في المجلات والصحف التي تنشر صورهم وأسمائهم والهواية، التي تكون غالباً المراسلة، فيتراسلون عن طريق البريد ويتعرفون على بعضهم البعض، سواءً داخل المملكة أو خارجها، كما كان الصغار يشاركون في مجلات الأطفال، مثل مجلات "ميكي" و"سعد" و"ماجد"، وغيرها، كما كانوا يراسلون الدوريات والمطبوعات لحل المسابقات التي تنشرها، ومنذ عهد قريب مسابقات فوازير رمضان للصغار والكبار في التلفزيون السعودي. وكم كانت المواقف الطريفة كثيرة، ومن هذه المواقف موقف طالب في المرحلة المتوسطة منذ أربعة عقود كانت هوايته المراسلة، فقد كان يكتب الرسائل ويبعثها لأصدقاء التعارف، وعمل البريد في تلك الفترة على توزيع صناديق لاستلام الرسائل في أيّ وقت، وتمَّ توزيعها في عدد من أحياء المدن، حيث يستطيع من أراد بعث رسالة في خارج وقت الدوام أن يضعها فيه ليأتي "ساعي البريد" ويأخذها من الصندوق ويرسلها، ووضع هذا الطالب عدداً من الرسائل في المساء وعاد إلى بيته منتظراً الرد يأتي إليه على عنوانه في مدرسته المتوسطة، وفي الغد جاء "ساعي البريد" يطلبه في المدرسة ليعطيه عدداً من الرسائل، فتعجب كيف وصل الرد بهذه السرعة، لكن "ساعي البريد" عقَّب قائلاً: "ضع على هذه الرسائل طوابع، ومن ثم أحضرها إلى مكتب البريد". آلات فرز حديثة تقرأ العنوان الجديد وتضمن وصول الرسالة في وقت قياسي اعتماد البريد على التقنية الحديثة ضمن حفظ وسرعة وصول الرسائل استحدث البريد اسطولاً من السيارات لإيصال الرسائل إلى مقر سكن المواطن طابع بريدي تمَّ إصداره بمناسبة مرور خمسين عاماً على صدور أول طابع تذكاري بالمملكة لا يزال ظرف الرسائل بالخطين الأحمر والأزرق مستخدماً حتى يومنا هذا تطوع بعض أصحاب الدكاكين لأداء خدمة البريد في ميدان العدل «الصفاة» طابع بريد سعودي تمَّ إصداره بمناسبة ذكرى الجلوس الملكي طريقة كتابة عنوان المرسل، والمرسل إليه على الرسائل تطورت الخدمات البريدية وأصبح بإمكان المواطن والمقيم إرسال الرسائل بيسر وسهولة لعبت الدراجة الهوائية دوراً مهماً في مساعدة ساعي البريد في الماضي نزار عبداللطيف بنجابي جدة [email protected]