فربت عليها حتى هدأت تماما. وخرج منها ليلا ليصلح لها الاجواء التى اتعبتها فسلبها نصف طاقتها من الحب ، ونثرها بوجوههم ،فبعثت كيمياء الحب وطهرت القلوب . ترتجف رهف من زوجة أبيها تنتظر طلقات الرصاص المحملة بأثقال ترهقها ،ولكن حدث العكس ، هذا الصباح مرت رياح حانية لم يسبق لها أن مرت بهذا البيت،ربتت زوجة أبيها على كتفيها قبلتها قائلة بلهفة : -ماذا بك حبيبتى،جسدك بارد، يرتعد يبدو أنك متعبة، فلتستريحى.. بعد المغرب عاد الاب ولم يدخل كعادته متسللا بأكياس الفاكهة وطلبات زوجته المدللة ليسلمها لها مع الوارد اليومى من الورشة،بل وضعها على المنضدة ، ولمح زوجته بجوار ابنته، ترعاها فضم يديهما بين يديه.. سمعت رهف صوت زغاريد متتالية ،فطلت من الشباك.. وعندما سمعت أن عوانس الحارة تزوجن فى يوم واحد ؛ غرد قلبها البرىء متسائلا: -يا الله ما الخبر؟؟ فأجابتها عيناها حين رمقت منشور معلق كتب به ( شقة لكل عريس وعروسة من أهل حارتنا. إمضاء.. المعلم طاهر.) المعلم طاهر !! صاحب أبراج الاحلام.. يبدو أنه رق قلبه ونوى أن يهطل بالزكاة التى أدخرها بخله طيلة تلك السنوات ،ففك وديعتها خشية من الله و غمر بها شباب الحارة، فانزاحت غيمات( الحوجة) وأشرقت القلوب الخاملة وفتحت العيون الغافلة عن جميلات الروح والخلق من فتيات الحارة ؛ فبادر كل منهم بخطبة جارته المناسبة له.. زادت فرحة رهف.. لم تعد تسمع ضوضاء وشجار نظرت إلى القهوة رأتها خالية من العاطلين والفتوات ، ما عادوا يجتمعوا إلا ساعتين بعد انتهاء أشغالهم لمناقشة حلول وابتكارات ومساعدة بعضهم البعض في مشاكل حارتهم التى أصبحت جنة.. و اليد التى كانت تتسابق لرمى القمامة أصبحت تبادر بإزالتها وتغرس شجرة مكانها ،حتى اللسان الذى كان مفصولا عن عقل صاحبه روضته الكلمة الطيبة. مرت أيام وهى تعيش بهدوء.. استكان قلبها المحب لمن حولها. خرجت رهف وأشترت وردا من كشك أمام المستشفى.. راحت توزع زهورها على أهل الحارة وأولهم المعلم طاهر .. تشكره على ما فعله لشباب الحارة.. يهتز جسد المعلم طاهر بضحكته المفزعة و يضرب كف على كف قائلا:البنت (اتجننت )رسمى ..أبراج !، زواج ! ،شباب! .. خرجت من المشفى بعصافيرها..مازالت طائرة . اتجهت رهف لمذياع الجامع المعلق على أطراف سلمه المطل على الحارة : -أناشد شباب الحارة أن يتجولوا ويرشدوا كل الحارات والمحيطين بهم ليتعاونوا وتصبح حارتهم نموذج مشرف كحار.. . . قبل أن تكمل … حوصرت بالضوضاء ورائحة القمامة والصراعات الخارجة من نفوس مشحونة.. تهتز الصورة الجميلة التى رسمها خيالها عندما خرج من طيات نفسها أثناء غيبوبتها .. زلزل عقلها ..يميل نحو خيالها تارة ونحو الواقع المر تارة أخرى صوتها المرتعش، الحنون ،الباكى، هز الحارة، خجلت الضوضاء ،احتضنها أبيها، انحدرت دمعة من عم طاهر ..رسمت بخيالها لوحة خلابة.. ناطقة بصوتها المرتعد و دموعها المتلأ لئة .. لوحة عبرت بإحساس ورجاء للخير ، أثرت بقلوبهم لعلهم يغيبوا عن عاداتهم السيئة ،و يحققوا من أحلامها شيئا ولو أيام بالواقع،كما خرج خيالها من طيات نفسها تلك الليلة التى انهارت فيها نفسيا فربت عليها بتلك الصور الوهمية دعاء أحمد شكري مصر