محمد القحطاني وحمد البقمي تصوير : محمد المساعد وعبدالرحمن الكليب استحوذت جزيرة (جانا) العائمة فوق المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية في الخليج العربي، على اهتمام الكثير من الباحثين والصيادين، وهواة الغوص، نظير امتلاكها مقومات بيئية أهلتها أن تكون الجزيرة الأم لأكثر من 20 ألف طائر اعتادت خلال هذه الأشهر زيارتها أثناء رحلتها من القطب الشمالي باتجاه القطب الجنوبي، محاطة بمياه فيروزيّة اللون تبتعد عن شمال شرق مدينة الجبيل 45 كيلومترًا. وتميزت (جانا) عن نظيراتها من الجزر السعودية بشكلها البيضاوي، إذ يبلغ طولها 1050 مترًا وعرضها نحو 300 متر، مسترخية برمالها البيضاء على مياه الخليج ما بين جزيرتي (جريد) و(كاران) إحدى جزر المحميات الطبيعية الخمس التابعة للمملكة مع (كرين، وحرقوص) التي تضم أهم التجمّعات الأحيائية الطبيعية في الخليج العربي. وتلك الجزر الخمس هي واحدة من 150 جزيرة سعودية تسبح في مياه الخليج العربي متفاوتة في طبيعتها ومساحتها، ومنها ما يُطلق عليها جزر (الضحضاح) التي تختفي مع ارتفاع مياه الخليج أثناء حركتي المد والجزر، وتخضع جميعها لمتابعة يومية من قِبل حرس الحدود للحفاظ عليها، وتأمين حركة تنقل مرتاديها. وكالة الأنباء السعودية اطلعت عن قرب على طبيعة جزيرة (جانا) الحالمة التي تحظى باهتمام الهيئة السعودية للحياة الفطرية، بفضل ما تجده من رعاية خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – لأعمالها حيث يسر – أيده الله – للهيئة كل السبل لتحافظ على الثروة الطبيعية التي تتمتع بها بلادنا بحرًا وبرًا، ورافقت فريقا علميا من الهيئة يجري أبحاثا على الجزيرة بتوجيهات من رئيس الهيئة السعودية للحياة الفطرية صاحب السمو الأمير بندر بن سعود بن محمد. وفي ذلك السياق، أكد سمو الأمير بندر بن سعود بن محمد في تصريح لوكالة الأنباء السعودية أن الهيئة تحرص على حفظ الثروات البيئية التي يتمتع بها البحر الأحمر والخليج العربي سواء في عمقهما المائي الذي يزخر بتنوع فريد من الكائنات البحرية والنباتية، أو على جزرها التي يقصدها العديد من الكائنات الحية. وكشف سموه عن أن الهيئة السعودية للحياة الفطرية تستعد قريبًا لإعلان رأس سويحل، ورأس القصبة محمية طبيعية بالتعاون مع الجهات المعنية على سواحل منطقة تبوك، لتنضم إلى ثلاث محميات بحرية هي : جزر فرسان، وجزر أم القماري في البحر الأحمر، والجبيل للأحياء البحرية في الخليج العربي. وعن الفريق العلمي الذي رافقته "واس" في رحلته لجزيرة (جانا) أفاد سمو الأمير بندر بن سعود أن الفريق يعد واحدا من الفرق المتخصّصة في مجال علوم الأحياء الذي توفده الهيئة بشكل دوري لجزر البحر الأحمر والخليج العربي لتوثيق مكونات كل جزيرة ودراستها وتحليلها، مبينًا أن هذه الدراسات تتناول كذلك طبيعة التضاريس والتراكيب الجيولوجية التي تكشف الثروات الطبيعية ذات المردود الاقتصادي المعزّز للتنمية الوطنية. وحول جزيرة (جانا) فهي جزيرة سعودية بكر تسكن الخليج العربي، وتختلف في بيئتها ومكوناتها عن جزيرة (جنة) المحاذية لحدود الساحل الشرقي السعودي، إذ يستغرق الوصول إلى (جانا) بحرًا نحو 25 دقيقة من مدينة الجبيل، ولقد زارها وفد من شركة أرامكو السعودية عام 1977م لإجراء دراسات علمية عليها، واهتمت الهيئة السعودية للحياة الفطرية بتنمية ثروتها البيئية، وفتحت المجال أمام الباحثين من مختلف الجامعات السعودية لإجراء بحوثهم عليها. وتعددت آراء علماء الجيولوجيا حول أسباب تكوّن الجزر وظهورها على أسطح البحار – بقدرة المولى عز وجل – إذ أرجع الكثير منهم السبب لتحركات القشرة الأرضية أو اندفاع القباب الملحية من الطبقة السفلى لقشرة الكرة الأرضية لتظهر على السطح. زد على تلك الأسباب ما قاله رئيس مركز الجيولوجيا البحرية في هيئة المساحة الجيولوجية السعودية عبد الناصر قطب، من أن تكوّن الجزر يعود لهبوط سطح الأرض المؤدي لانفصالها عن الساحل، أو بسبب التكوينات المرجانية التي نمت فوق الجروف الضحلة قليلة العمق في نطاق الجرف القاري، والإرسابات النهرية والتيارات البحرية. ** تنوع أحيائي وحظيت الجزر السعودية في الخليج العربي – بفضل الله تعالى – بتنوع أحيائي فريد من نوعه جعل الكثير من الكائنات الحية تقصدها في مواسم معينة من السنة، كجزيرة (جانا) التي ترتادها مئات السلاحف البحرية، وطيور (الخرشنة) التي تهاجر في أسراب متعدّدة من نصف الكرة الأرضية الشمالي، لتتخذ من (جانا) ملاذا للغذاء وتكاثر أكثر من 20 ألف طائر منها. وفي الطريق إلى جزيرة ( جانا) لفت انتباه الجميع منظر قفز "الدلافين" التي رافقت القارب وهو يشق البحر باتجاه الجزيرة، وقيل إنها إحدى ستة أنواع تعيش في مياه الخليج العربي هي : ( بدون الزعنفة، وذو البوز القاروري، والشائع، والأحدب، الغزال، وبلمبس) ووجد الباحثون 53 دلفينا من (الشائع) وسبعة دلافين من ( ذي البوز القاروري) بين مدينتي الخبر وسلوى. ومن أول وهلة تطل فيها عليك (جانا) يلفت نظرك سحابة (طيور الخرشنة) التي تتخذ مسارًا ثابتًا ومحددًا في حركتها بمساعدة أرجلها القصيرة، وذيلها الشبيه بالشوكة، وقال عنها مدير مركز الجبيل للأحياء البحرية خالد بن علي الشيخ: إنها من الطيور التي تعيش في القطب الشمالي للكرة الأرضية، وتعبر الخليج العربي في رحلتها للجنوب خلال هذه الأشهر من كل عام وتستمر ثلاثة أشهر. وأضاف الشيخ قائلا: إن طيور الخرشنة أربعة أنواع هي : الخطافيّة، والمتوجة الصغيرة، والمقنعة، وبيضاء الخدّ، وتحلّ هذه الطيور في (جانا) لتتكاثر فيها، ومن ثم تغادرها بعد أن تخرج فروخها من البيض خلال 28 يومًا، ومن ثم تستطيع الطيران مع بقية الأسراب في غضون ثلاثة أشهر. ولطيور الخرشنة أسلوب غريب، يتمثل في رفضها لوجود أي طائر آخر على جزيرة جانا طيلة فترة مكوثها عليها، حيث يحرس أربعة منها جميع اتجاهات الجزيرة، مُصدرين نداءات إغاثة حينما تحاول إحدى الطيور الدخول للجزيرة، مثل (طائر الغاق السوقطري) الذي يقيم بطبيعته بجزيرتي "الزخنونية" و"الحويصات" السعوديتين، ويتردد على (جانا) في كثير من الأحيان. وتتمتع جزيرة جانا بتنوع بيئي بديع، إذ أكد خالد الشيخ في حديثه لوكالة الأنباء السعودية، أن رمالها المرجانية من أنقى رمال جزر الخليج العربي، وتتميز بالصخور الكلسية المائلة للسواد بسبب طحالب البحر، ويغطي وسطها مساحة خضراء من النباتات الملحية، ولهوائها نسمة نقية ينتابه في معظم الأحيان رطوبة ساخنة تخفّفها برودة مياهها الخالية من الملوثات الصناعية. وتحيط بالجزيرة شعب مرجانية زاهية الألوان، حيث أوضح خالد الشيخ أنها واحدة من أصل 60 نوعًا من الشعب المنتشرة في المياه الإقليمية للمملكة بالخليج العربي، مرجعا قلة عددها لارتفاع معدل الملوحة في مياه الخليج، وارتفاع درجة الحرارة، بالإضافة إلى الرسوبيات العالية الناتجة عن ضحالة الخليج. وتشتهر (جانا) بتواجد إناث السلاحف "الخضراء" و"صقرية المنقار" التي تزحف على رمالها قادمة من البحر لوضع بيضها خلال موسم تكاثرها في الشهور الخامس والسادس والسابع الميلادي، بينما يبقى ذكر السلحفاة – بقدرة الله عز وجل – في مياه البحر طيلة حياته ولا يخرج منه، متميزًا عن الأنثى بصغر حجمه وذيله الطويل. وأثار تواجد سلاحف البحر في جزيرة (جانا) اهتمام الهيئة السعودية للحياة الفطرية، إذ بين الخبير البيئي في الهيئة الدكتور أحمد بن محمد المنسي الذي يرأس الفريق العلمي في (جانا) وجزر الخليج الأخرى، أنه منذ عام 2010م بدأوا في تتبع حركة هذه السلاحف من خلال وضع 37 جهاز استشعار عن بعد يعمل بالأقمار الاصطناعية لمعرفة طبيعة حياتها وتحركاتها، وتأمينها من أي تعدّ. وأفاد الدكتور أحمد في حديثه ل"واس" أن قرابة 140 سلحفاة من نوع صقرية المنقار تزور جزيرة جانا خلال موسم التكاثر من ثلاث إلى سبع مرات، تبيض في كل مرة نحو 95 بيضة. وبالقرب من مياه جزيرة جانا الباردة، يتواجد هذه الأيام سمك (القرش الحوتي) أحد أكبر أنواع أسماك القرش في العالم، إذ يفضل الاقتراب من الجزيرة خلال موسم التكاثر السنوي المتزامن مع شهري شعبان ورمضان. والقرش الحوتي وفقا للدكتور المنسي، من أسماك القرش المسالمة للإنسان، ويبلغ طوله من 6 إلى سبعة أمتار، ويتغذى على العوالق الحيوانية عبر فمه المستعرض الموجود في مقدمة رأسه، إذ يفتح فمه عديم الأسنان ثم يرشّح العوالق من الماء. كما يرتاد المناطق البحرية القريبة من جزيرة جانا هذه الأيام ، أكثر من 300 شخص من هواة الغوص السعوديين، والخليجيين، والمقيمين في المملكة، للتمتع بممارسة رياضة الغوص الحر في مياهها الصافية والتدريب على التصويسر تحت الماء بكاميرات احترافية تعكس جمال طبيعة بيئة البحر، ويصف مدرب الغوص والإسعافات الأولية في مدينة الجبيل أيمن الذبياني هذه الرياضة بأنها من رياضات الاسترخاء المفيدة لصحة لإنسان ولا تتطلب أي مجهود كبير. ورياضة الغوص من الرياضات الشيقة التي لا تتطلب سنًّا معينًا لمزاولتها، إلا أن الذبياني بين أن لها أماكن معينة في البحر ولايفضل أبدا نزول الغواص وحده بل لابد أن ينزل معه على الأقل أربعة أشخاص وفقا لأنظمة الغوص الدولية، داعيا إلى أهمية أخذ دورة متخصصة في الغوص قبل تجربتها في البحر، وإجراء فحص طبي على الأذن، وإحضار معدات الغوص التي تكلف الشخص الواحد ما بين 2000 و2500 ريال. وفيما يصف علماء البحار، مياه "الخليج العربي" ب ( البحر الضحل) شبه المُغلق الذي يبلغ طوله 1000 كيلومتر وعرضه 250 كيلومترًا، يؤكد الناطق الإعلامي لحرس الحدود في المنطقة الشرقية العميد بحري خالد بن خليفة العرقوبي، أن حرس الحدود يتابع حركة مرتادي الخليج مع الجهات المختصة الأخرى، ويحرص في عمله على إبلاغ من يرتاد البحر بأهمية تنفيذ التوجيهات التي تتماشى مع الأنظمة المحلية والدولية المعنية بالبحار. وأفاد أن حرس الحدود يقوم كذلك بتحديد مناطق الغوص الآمنة في البحر، ويشدد على أهمية أن يضع الغواص علم الغوص (ألفا) على القارب، وهو علامة بحرية عالمية تخبر العابر لمنطقة الغوص عن وجود غواصين تحت البحر في المكان الذي يعبره.