استحوذت جزيرة (جانا) العائمة فوق المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية في الخليج العربي، على اهتمام الكثير من الباحثين والصيادين، وهواة الغوص، نظير امتلاكها مقومات بيئية أهلتها أن تكون الجزيرة الأم لأكثر من 20 ألف طائر اعتادت خلال هذه الأشهر زيارتها أثناء رحلتها من القطب الشمالي باتجاه القطب الجنوبي، محاطة بمياه فيروزيّة اللون تبتعد عن شمال شرق مدينة الجبيل 45 كيلومترًا. وتميزت (جانا) عن نظيراتها من الجزر السعودية بشكلها البيضاوي، إذ يبلغ طولها 1050 مترًا وعرضها نحو 300 متر، مسترخية برمالها البيضاء على مياه الخليج ما بين جزيرتي (جريد) و(كاران) إحدى جزر المحميات الطبيعية الخمس التابعة للمملكة مع (كرين، وحرقوص) التي تضم أهم التجمّعات الأحيائية الطبيعية في الخليج العربي. وتلك الجزر الخمس هي واحدة من 150 جزيرة سعودية تسبح في مياه الخليج العربي متفاوتة في طبيعتها ومساحتها، ومنها ما يُطلق عليها جزر (الضحضاح) التي تختفي مع ارتفاع مياه الخليج أثناء حركتي المد والجزر، وتخضع جميعها لمتابعة يومية من قِبل حرس الحدود للحفاظ عليها، وتأمين حركة تنقل مرتاديها. وحظيت الجزر السعودية في الخليج العربي – بفضل الله تعالى – بتنوع أحيائي فريد من نوعه جعل الكثير من الكائنات الحية تقصدها في مواسم معينة من السنة، كجزيرة (جانا) التي ترتادها مئات السلاحف البحرية، وطيور (الخرشنة) التي تهاجر في أسراب متعدّدة من نصف الكرة الأرضية الشمالي، لتتخذ من (جانا) ملاذا للغذاء وتكاثر أكثر من 20 ألف طائر منها. وفي الطريق إلى جزيرة (جانا) تكثر "الدلافين"، ومنها ستة أنواع تعيش في مياه الخليج العربي هي: (بدون الزعنفة، وذو البوز القاروري، والشائع، والأحدب، الغزال، وبلمبس) ووجد الباحثون 53 دلفينا من (الشائع) وسبعة دلافين من (ذي البوز القاروري) بين مدينتي الخبر وسلوى. ومن أول وهلة تطل فيها عليك (جانا) يلفت نظرك سحابة (طيور الخرشنة) التي تتخذ مسارًا ثابتًا ومحددًا في حركتها بمساعدة أرجلها القصيرة، وذيلها الشبيه بالشوكة، وقال عنها مدير مركز الجبيل للأحياء البحرية خالد بن علي الشيخ: إنها من الطيور التي تعيش في القطب الشمالي للكرة الأرضية، وتعبر الخليج العربي في رحلتها للجنوب خلال هذه الأشهر من كل عام وتستمر ثلاثة أشهر. وأضاف الشيخ قائلا: إن طيور الخرشنة أربعة أنواع هي: الخطافيّة، والمتوجة الصغيرة، والمقنعة، وبيضاء الخدّ، وتحلّ هذه الطيور في (جانا) لتتكاثر فيها، ومن ثم تغادرها بعد أن تخرج فروخها من البيض خلال 28 يومًا، ومن ثم تستطيع الطيران مع بقية الأسراب في غضون ثلاثة أشهر. ولطيور الخرشنة أسلوب غريب، يتمثل في رفضها لوجود أي طائر آخر على جزيرة جانا طيلة فترة مكوثها عليها، حيث يحرس أربعة منها جميع اتجاهات الجزيرة، مُصدرين نداءات إغاثة حينما تحاول إحدى الطيور الدخول للجزيرة، مثل (طائر الغاق السوقطري) الذي يقيم بطبيعته بجزيرتي "الزخنونية" و"الحويصات" السعوديتين، ويتردد على (جانا) في كثير من الأحيان. وتشتهر (جانا) بتواجد إناث السلاحف "الخضراء" و"صقرية المنقار" التي تزحف على رمالها قادمة من البحر لوضع بيضها خلال موسم تكاثرها في الشهور الخامس والسادس والسابع الميلادي، بينما يبقى ذكر السلحفاة – بقدرة الله عز وجل – في مياه البحر طيلة حياته ولا يخرج منه، متميزًا عن الأنثى بصغر حجمه وذيله الطويل. وأثار تواجد سلاحف البحر في جزيرة (جانا) اهتمام الهيئة السعودية للحياة الفطرية، إذ بين الخبير البيئي في الهيئة الدكتور أحمد بن محمد المنسي الذي يرأس الفريق العلمي في (جانا) وجزر الخليج الأخرى، أنه منذ عام 2010م بدأوا في تتبع حركة هذه السلاحف من خلال وضع 37 جهاز استشعار عن بعد يعمل بالأقمار الاصطناعية لمعرفة طبيعة حياتها وتحركاتها، وتأمينها من أي تعدّ. وأفاد الدكتور أحمد أن قرابة 140 سلحفاة من نوع صقرية المنقار تزور جزيرة جانا خلال موسم التكاثر من ثلاث إلى سبع مرات، تبيض في كل مرة نحو 95 بيضة. وبالقرب من مياه جزيرة جانا الباردة، يتواجد هذه الأيام سمك (القرش الحوتي) أحد أكبر أنواع أسماك القرش في العالم، إذ يفضل الاقتراب من الجزيرة خلال موسم التكاثر السنوي المتزامن مع شهري شعبان ورمضان. والقرش الحوتي – وفقا للدكتور المنسي- من أسماك القرش المسالمة للإنسان، ويبلغ طوله من 6 إلى سبعة أمتار، ويتغذى على العوالق الحيوانية عبر فمه المستعرض الموجود في مقدمة رأسه، إذ يفتح فمه عديم الأسنان ثم يرشّح العوالق من الماء.