تترقب جزيرة «جنا» هذه الأيام وصول طلائع الطيور المهاجرة من المناطق الباردة شمال الكرة الأرضية، إلى المناطق الأكثر دفئاً في الجنوب، وهي الرحلة السنوية لملايين من الطيور مختلفة الألوان والأشكال والأنواع، والتي تمر بالمملكة وبعضها يستقر فيها خلال فصل الشتاء. وتبعد «جنا» نحو 45 كيلومتراً عن مدينة الجبيل، في عمق الخليج العربي، الذي يضم نحو 150 جزيرة سعودية، من أصل 1285 جزيرة، تتوزع غالبيتها في البحر الأحمر وخليج العقبة. وتتميز هذه الجزيرة بشكلها البيضاوي، إذ يبلغ طولها 1050 متراً، وعرضها نحو 300 متر. وتمتاز ببيئتها البحرية الغنية بالثروة السمكية ونقاء الأجواء، لبعدها عن مناطق التلوث. ما جعلها مقصداً للسياح، وبخاصة الغربيون من العاملين في شركات المنطقة الشرقية. ويقضي معظم السياح أوقاتهم بهذه الجزيرة في الرحلات البحرية وممارسة هواية الغوص. وتمتاز جزيرة «جنا»، التي تسمى أيضاً «جانا»، وأحياناً «قنة»، باستراتيجية موقعها ومناخها المعتدل، فهي تجمع بين البر في فصل الربيع، والبحر في الصيف، وهي أيضاً معبر للطيور. كما تمتلك هذه الجزيرة مقومات جذب سياحي «خيالية»، فهي متنوعة المساحات والتضاريس والبيئات، بين جزر ذات أصول مرجانية، ورملية، وقارية، وبركانية، وتطرز حواف الشواطئ بالرمال الناعمة، والمرتفعات الجبلية، والتجمعات النباتية، إضافة لشعابها المرجانية المتنوعة، ما يؤهلها لتكون مقصداً سياحياً للصيد والغوص والاستجمام في معظم فصول العام، إضافة إلى شقيقاتها «جريد» و»كاران» و»كرين»، و»حرقوص»، وهي المحميات الطبيعية الخمس التابعة للمملكة، والتي تضم أهم التجمّعات الإحيائية الطبيعية في الخليج العربي. وتشتهر الجزيرة بوجود إناث السلاحف «الخضراء» و«صقرية المنقار»، التي تزحف على رمالها قادمة من البحر لوضع بيضها خلال موسم تكاثرها في أشهر أيار (مايو) وحزيران (ويونيو) وتموز (يوليو). بينما يبقى ذكر السلحفاة في مياه البحر طيلة حياته ولا يخرج منه، مميزاً عن الأنثى بصغر حجمه وذيله الطويل. وأثار وجود سلاحف البحر في الجزيرة اهتمام الهيئة السعودية للحياة الفطرية. وأوضح الخبير البيئي في الهيئة الدكتور أحمد محمد المنسي، الذي ترأس فريقاً علمياً في الجزيرة وجزر الخليج الأخرى، أنهم بدؤوا منذ عام 2010، تتبع حركة هذه السلاحف، من خلال وضع 37 جهاز استشعار عن بعد، يعمل بالأقمار الاصطناعية، لمعرفة طبيعة حياتها وتحركاتها وتأمينها من أي تعدّ. وذكر في تقرير بثته «واس» في وقت سابق، أن «نحو 140 سلحفاة من نوع صقرية المنقار تزور الجزيرة، خلال موسم التكاثر، من ثلاث إلى سبع مرات، وتبيض في كل مرة نحو 95 بيضة». وعلى رغم أن الجزيرة تضم نحو 20 ألف طائر، إلا أن «الخرشنة» تعد الأكثر انتشاراً في «جنا»، وهي أربعة أنواع: الخطافية، والمتوجة الصغيرة، والمقنعة، وبيضاء الخد. وتحلّ هذه الطيور في الجزيرة للتكاثر ثم تغادرها بعد أن تخرج فروخها من البيض خلال 28 يوماً، ومن ثم تستطيع الطيران مع بقية الأسراب في غضون ثلاثة أشهر. ولطيور الخرشنة أسلوب غريب، يتمثل في رفضها وجود أي طائر آخر على الجزيرة طيلة فترة مكوثها عليها، إذ يحرس أربعة منها جميع اتجاهات الجزيرة، مصدرين «نداءات إغاثة»، حينما تحاول إحدى الطيور الدخول للجزيرة، مثل «الغاق السوقطري». ومن ضيوف الجزيرة «الدلافين»، وهي ستة أنواع تعيش في مياه الخليج العربي: من دون الزعنفة، وذو البوز القاروري، والشائع، والأحدب، والغزال، وبلمبس. فيما تعيش بالقرب من مياه الجزيرة أسماك «القرش الحوتي»، وهي أحد أكبر أنواع أسماك القرش في العالم، وتفضل الاقتراب من الجزيرة خلال موسم التكاثر السنوي المتزامن مع شهري شعبان ورمضان. والقرش الحوتي – وفقاً للدكتور المنسي – من أسماك القرش المسالمة للإنسان، ويراوح طوله بين ستة و سبعة أمتار، ويتغذى على العوالق الحيوانية عبر فمه المستعرض الموجود في مقدمة رأسه، إذ يفتح فمه عديم الأسنان ثم يرشّح العوالق من الماء. كما يرتاد المناطق البحرية القريبة من جزيرة «جنا» هواة الغوص من السعوديين والخليجيين والمقيمين في المملكة، للتمتع بممارسة رياضة الغوص الحُر في مياهها الصافية، والتدريب على التصوير تحت الماء بكاميرات احترافية تعكس جمال طبيعة بيئة البحر. وتتميز الجزيرة بالتنوع في تضاريسها، إذ توجد بها المرتفعات والهضاب الصخرية بارتفاع 15 متراً عن سطح البحر من جهة الشرق، والأرض المنبسطة والشواطئ الرملية الجميلة من جهة الغرب. ويسود الجزيرة صيفاً مناخ عادي كبقية جزر الخليج وسواحله، وفي الشتاء تعتدل درجات الحرارة، وتسقط الأمطار بفعل الرياح العكسية الغربية.