توالت الآيام,وتشابهت في حياة محاسن،غير أن ذلك لم يثن من عزيمتها في تربية أبنائها أحسن تربية.لقد رزقها الله ولدين،وبنتا عوضوها عن الكثير من الحرمان الذي كانت تعاني منه. لكن الأيام لم تصف لها ولو مرة،وهو الأمر الذي جعل بيت الزوجية يتحول إلى جحيم دائم.فالزوج المغلوب على أمره،وجد في الصراخ الدائم،وتحطيم الأواني،وخبط الأبواب سبيله الوحيد لإثبات ذاته.لكن هيهات،فممارسة الهروب إلى الأمام ،تنتهي دائما بما لم يكن في الحسبان. لقد أصبحت حياتهما مع بعض مستحيلة.فبين امرأة طموحة،لا تفتأ تنظر إلى الأمام،ورجل انغمس حتى شعر رأسه في السلبية،والإختفاء وراء الظروف القاهرة…كان لا بد من اللجوء إلى آخر العلاج…الكي. ( يا قمر ليلي.. يا ظل نهاري.. يا حبي.. يا أيامي الهنية عندي لك أجمل هدية كلمة الحب اللي بيها تملك الدنيا وما فيها واللي تفتح لك كنوز الدنيا ديه قولها ليه قولها للطير.. للشجر.. للناس.. لكل الدنيا.. قول الحب نعمة مش خطية الله محبة.. الخير محبة .. النور محبة ) وهي تستعد لمواجهة الحياة وحدها،رفقة ثلاثة أطفال صغار،كانت تنتابها مشاعر مختلفة. فبين الخوف من مواجهة المجهول،وهي التي لم تعرف في حياتها غير أخ ظالم،متجبر،يعد لها أنفاسها.وزوج لا يختلف عن الأموات إلا بأنفاسه التي تدخل،وتخرج في اطراد.وبين إحساس الطائر الذي ولد،ونشأ مكبلا ليجد أبواب القفص تفتح على مصراعيها فجأة أمامه،وتدعوه إلى الحرية والتحليق بعيدا…بعيدا.بين كل هذا وذاك،لم تكن تعلم أية وجهة توليها. فقط،كان ينتابها شعور غريب،وصوت يأتيها من الأعماق:هنيئا لك محاسن،فها أنت تسترجعين نفسك،ووحدك تمتلكين قرارك،وتصنعين حياتك. لم تدم الحيرة طويلا.فالمرأة التي طالما اشتكت من ظلم الأيام،كان لا بد لها من أن تشمر عن سواعد الجد لتواجه مصيرها،وتزود المركبة التي طال أمد رسوها على المرفأ،بكل العوامل التي تسمح لها بالإبحار. فقد جعلت من بيتها المتواضع خلية نحل،تصنع فيها كل أنواع الحلويات، وحتى المأكولات،لتنبري إلى بيعها،الأمر الذي ساعدها على توفير لقمة عيش عفيفة،وتوفير ما يضمن لأبنائها الدراسة، والحياة الكريمة . بل الأمر تعدى ذلك مع الأيام،فقد ذاعت شهرتها في الحي،والأحياء المجاورة لتتعامل مع الأعراس،كصانعة لحلويات أعراسهم . ( يا رب ) لا عمر كاس الفراق المر يسقينا ولا يعرف الحزن مطرحنا ولا يجينا وغير شموع الفرح ما تشوف ليالينا) كانت كل مساء تأوي إلى بيتها المتواضع،لتتفرغ لأبنائها،فتقص عليهم قصص من ثابروا،وكتبوا أسماءهم على صفحات التاريخ بأحرف من ذهب. في قرارة نفسها كانت تريد تجسيد بعض أحلامها الموؤدة من خلال إبنتها،كما كانت تحلم بأن تصرخ يوما من خلال إبنيها ،في وجه طليقها،وأخيها،وكل من سارع إلى لومها بعد انفصالها ،يأن الحياة صراع،لا مكان فيها لمستكين.وأن طرق النجاح محفوفة بالمخاطر،والمتاعب،لكنها مثمرة في النهاية. لقد ربت أبناءها على الاعتماد على الذات،ورغبتهم في الاجتهاد ،ومقارعة صروف الدهر بالصبر…وكان لها ذلك. يتبع…/ ولحديث القلوب شجون لاتنتهي [email protected]