أخذته قدماه الى وسط البلد وهي عادة لديه يقوم بها كل اسبوع يذهب فيها الى جدة القديمة يسترجع بعض ذكرياته مستدعياً ذلك الزمان الذي ولى في غير رجعة. توقف أمام بائع بعض الالعاب للأطفال.. كان شاباً بدا له من سحنته أنه من بلد شرق آسيوي.. لهجته صافية كأنه أحد أبناء البلد سأله: أنت من فين؟ بدا له السؤال غريباً كأن من اطلقه أحد المسؤولين الباحثين عن غير السعوديين – تلعثم – في الاجابة لكنه قال وهو يحاول أن يتماسك أنا "أفغاني". قال له: كم عمرك؟ -قال: 14 سنة. أين ولدت؟ -هنا.. وهل لديك وثائق تثبت انك مقيم اقامة سليمة؟ -قال: نعم. وهل لديك أسرة؟ – نعم عندي أب وأم وأخت.. اشار اليها كانت تعدو كانت في الثامنة من عمرها.. هل تدرسان؟ -أرخى نظراته الى الأرض.. قال هو.. لا. مد يده الى احدى اللعب.. قدم له قيمتها ومضى على الطرف المقابل كان هناك صف من السائقين فهذه أمامه عربة عليها "برشومي" وراح ينادي عليه.. طائفي يا برشومي. تقدم إليه قائلاً: بكم العلبة؟ -قال: عشرة ريالات انه طائفي وعلى الشرط شيره. لاحظ لكنته من بلد عربي قال له من أين أنت؟ -سريعاً قال من اليمن.. لكنني لا أعرف غير هذه المدينة التي ولدت وعشت فيها. أين ولدت؟ -في "الهنداوية".. لعبت في شوارعها وتشاقيت فيها.. انها حارتي. قال له: لكن لهجتك لازالت يمنية؟ -لان الذين لعبت معهم كلهم من هناك ولدوا هنا. لكن وجودك هنا مسموح لك؟ -كلنا هنا غير مسموح لنا.. لكن البلدية تغمض عينها عنا في هذا الشهر الكريم. كانت تجلس وأمامها مجموعة من الملابس المختلفة للاطفال شعر أن لهجتها من بلد عربي: من أين أنت يا ست؟ -قالت باعتزاز: من مصر.. كيف تعيشين هنا؟ -كان ردها سريعاً: هو الواحد يقدر يستغني عن هذه البلاد إنها بلد الحرمين الشريفين. اعجبه ردها السريع لكنه قال لها: اقصد هل عندك أوراق رسمية نظامية؟ -قالت: يا بيه.. كلنا أولاد أرض واحدة. قال لها: طيب كيف اتيت الى هنا؟ -قالت: جيت في زيارة لحبيبي رسول الله صلوات الله عليه. لكنك في جدة الآن؟ -قالت: سوف أعود الى هناك الى طيبة غداً. طيب كيف تسافرين؟ -كلها تساهيل الله. مضى بعد أن احتار في ردودها عليه. أخذته قدماه الى الشارع الآخر شارع سوق الندى. كان يجلس خلف ما يشبه العربة المحملة باللبان و"المستكا" وبعض الالعاب المختلفة توقف أمامه لاحظ أن نظراته غير مستقرة انه يمسح كل جنبات الشارع. قال له مالك هل هناك ما تبحث عنه؟ -لم يجبه.. عندما اتاه زميله قائلاً له في اشارة بأن الخطر قد زال. اعجبته اللعبة.. راح يقلب فيما أمامه من أشياء.. شعرت كأنه ارتاح له فسأله هل هناك ما كان يزعجك؟ -قال:" مراقب السوق اللي ما يفكنا إلا بعد أن ندهن السير". قال له ماذا قلت: وأي سير يريدك أن تدهن؟ -ضحك على غبائه.. وفرك بين أصبعيه وكأنه يعد نقوداً. عندها.. صمت.. ومضى وهو يردد في نفسه لا حول ولا قوة إلا بالله. وهو يشاهد تلك السلسلة من هذه العربات على جانبي الشارع الطويل انه سوق الندى. * ** كان شارع الذهب.. متكدساً بالسيارات والحركة بطيئة.. لاحظ أن هناك صبياً يتنقل بين السيارات حاملاً قطعاً من الخرق عارضاً نفسه لتنظيف الزجاج عندما وصل إليه.. أرخى زجاج سيارته الجانبي سأله من أين أنت؟ لم يجبه تردد عندما مد اليه بخمسة ريالات. قال له من أفغانستان. فجأة اختفى من أمامه عندما تحرك رتل السيارات من أمام اشارة المرور.. واصل سيره.. عند إحدى "الفلل" الكبيرة شاهد زحاماً شديداً من السيدات اقترب أكثر لفت نظره بارتفاع أصواتهن بلغة غير عربية.. كأنها لغة من اللغات الافريقية تساءل ماذا يفعلن هنا.. فجأة فتح باباً جانبياً من "الفلة" وراح احدهم يوزع عليهن مبلغاً من المال وهن يقفن في طابور مستقيم. عندها أدرك أن تواجدهن في هذا المكان خلفه ما يحصلن عليه من مال: فمضى في طريقه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.